رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

بين التصوف والورع على الفيس بوك والأخطاء الطبية القاتلة في غرفة العمليات.. الوجه الآخر للدكتور جمال شعبان

المصير

الخميس, 10 أكتوبر, 2024

07:39 م

إذا قادتك الأقدار وزرت صفحة الدكتور جمال شعبان طبيب القلب الشهير علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، فإنك تحتاج حتما لإن يكون معاك قطرة بحكم أنك "ستفرك" في عينيك لفترة طويلة، لشدة اندهاشك من ورع وزهد ونقاء وصوفية الرجل، ستقول لنفسك عشرات المرات وأنت ما زلت لا تصدق وتفرك في عينيك"معقولة، هو فيه ناس كده، هو احنا رجعنا لزمن الصحابة ولا ايه؟ ، هو فيه حد بالأخلاق والنقاء والصدق والورع والزهد ده؟ ولكن للحقيقة وجوه أخرى. 

ففي عالم مليء بالضجيج الإعلامي ووسائل التواصل، الاجتماعي يرتدي الجميع الأقنعة خلف" البروفايلات "الخاصة بكل واحد منا. 

وفي هذا العالم الافتراضي يبرز  اسم الدكتور جمال شعبان كواحد من أشهر أطباء القلب في مصر، حيث يقدم نفسه من خلال صفحته على الفيسبوك كرجل زاهد عابد،لا تهمه الدنيا في شئ ، متصوفٍ يبث الحكمة والنصائح الدينية لآلاف المتابعين.

 يعرض شعبان صوراً له ولابنه الدكتور أحمد جمال شعبان، واصفاً إياه بـ"الصوام القوام التقي النقي"، ويحرص على إظهار روحانية عميقة في منشوراته. لكن، خلف هذه الصورة المثالية، يكمن واقع طبي مخيف ومقلق: أسعار كشفه التي تتجاوز الألف جنيه، عمليات القلب الباهظة التي يجريها، وأخطاء طبية قاتلة في غرفة العمليات تهدد حياة المرضى.


*الحكمة الصوفية أم جني الأرباح؟ 

يشارك شعبان منشورات تحمل آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونصائح دينية تعزز فكرة الزهد في الدنيا، مؤكداً للمتابعين أنه يسعى نحو حياة تتسم بالبساطة والإيمان العميق. يقول في أحد منشوراته: "من ترك الدنيا أقبلت عليه الآخرة، ومن أخلص النية لله رُزق من حيث لا يحتسب." لكنه، وعلى عكس ما يكتبه، يُعد من بين أغلى أطباء القلب في مصر.

أسعار كشف الدكتور جمال شعبان تتجاوز الألف جنيه، وعمليات القلب التي يجريها تُصنّف بأنها من بين الأغلى في البلاد. هذا التناقض الصارخ بين ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي وما يحدث في الواقع يدفع إلى التساؤل: أين هي مبادئ الزهد والتقوى التي يتحدث عنها شعبان في ما يخص مهنته الطبية؟ ولماذا لا يُترجم هذا الإيمان العميق إلى سلوكيات تعكس روحانية منشوراته؟



قصة عادل الليثي وبلاغ أمام النائب العام 



في أبريل 2023، توجه المواطن البريطاني من أصل مصري عادل الليثي الذي  يعمل بوظيفة مرموقة بصحيفة عربية كبرى تصدر من لندن،  إلى مستشفى الرسالة في المهندسين لإجراء عملية قسطرة قلبية تحت إشراف الدكتور جمال شعبان. كانت العملية في البداية تبدو بسيطة وروتينية، إلا أن الخطأ الطبي الفادح الذي ارتكبه شعبان وفريقه الطبي غيّر حياة الليثي إلى الأبد.

أثناء تركيب إحدى الدعامات، تم خرق غشاء القلب مما أدى إلى نزيف حاد في قلب الليثي. ورغم جسامة الخطأ، قام الفريق الطبي بإخفائه عن الليثي وأسرته، محاولين التستر على الحادثة، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية. وبعد أن اشتدت عليه المضاعفات، اضطر الليثي للسفر إلى لندن لإجراء عملية قلب مفتوح طارئة في أحد المستشفيات البريطانية المتخصصة لإنقاذ حياته.

وفقاً للبلاغ الذي قدمه عادل الليثي ضد الدكتور جمال شعبان، لم يكن الخطأ الطبي هو المشكلة الوحيدة. بل إن ما زاد الأمر سوءاً هو التلاعب في المستندات الطبية الخاصة بالعملية، حيث قام الفريق الطبي بتغيير قرص الـCD الخاص بصور الأشعة لإخفاء الأدلة التي تثبت وقوع الخطأ. 

عادل الليثي يعبر عن استيائه قائلاً: "ما تعرضت له لم يكن مجرد خطأ طبي بسيط، بل كان إهمالاً جسيمًا كاد أن يودي بحياتي. فريق الدكتور جمال شعبان لم يتصرف بمسؤولية تجاه حياتي، بل تعمدوا إخفاء الحقيقة عني وعن أسرتي، ما جعلني أواجه أصعب لحظات حياتي."


بعد نجاته من الموت بصعوبة، قرر عادل الليثي تقديم بلاغ رسمي إلى النيابة العامة المصرية ضد الدكتور جمال شعبان وفريقه الطبي. البلاغ تضمن اتهامات مباشرة لشعبان بالتسبب في حدوث نزيف داخل القلب نتيجة خطأ طبي أثناء تركيب الدعامة، إلى جانب تهم إخفاء الخطأ وتلاعب بالمستندات الطبية الخاصة بالعملية.

وذكر الليثي في بلاغه أن مستشفى الرسالة، الذي أجريت فيه العملية، لم يتحمل أي مسؤولية عن الخطأ، مما دفعه إلى طلب تحقيق قانوني شامل لضمان محاسبة جميع الأطراف المتورطة. ويأمل الليثي في أن تكون قضيته بداية لتحقيق العدالة ومنع تكرار هذه الأخطاء القاتلة مع مرضى آخرين.

ابن الدكتور جمال شعبان: هل يتجاوز الحدود؟

ما يزيد من تعقيد هذه القضية هو تورط ابن الدكتور جمال شعبان، أحمد جمال شعبان، في إجراء العمليات الجراحية بجانب والده، رغم أنه لم يحصل بعد على شهادة الماجستير في الطب. يشارك أحمد والده في العديد من العمليات دون وجود التأهيل الكافي لذلك، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى احترامهم للأخلاقيات الطبية والمهنية.

شعبان ينشر بشكل مستمر على صفحاته الإلكترونية مدحًا لابنه، ويصفه بأنه "التقي النقي"، إلا أن الحقيقة على أرض الواقع تختلف تمامًا. فالاعتماد على ابن غير مؤهل بشكل كافٍ في عمليات جراحية خطيرة يعرض حياة المرضى للخطر، وهو ما تجلى بوضوح في حادثة عادل الليثي.


التناقض بين السوشيال ميديا والواقع الطبي: وجهان لعملة واحدة؟

إذا نظرنا إلى مسيرة الدكتور جمال شعبان من منظور منشوراته على الفيسبوك، قد نرى شخصاً يعتنق الزهد والتقوى، ويتحدث بلغة الإيمان. لكن، عندما ندخل إلى واقع مستشفياته وغرف العمليات التي يديرها، نجد واقعًا مختلفًا تمامًا: أسعار مرتفعة تتجاوز طاقة المرضى، إهمال طبي جسيم، وأخطاء قاتلة تُرتكب دون محاسبة.

هذا التناقض الصارخ بين ما يروج له شعبان على وسائل التواصل الاجتماعي وما يحدث في الواقع يثير تساؤلات جدية حول نزاهته وأخلاقياته الطبية. كيف يمكن لطبيب يتحدث عن الزهد والتصوف أن يفرض رسومًا باهظة على مرضاه، ويعرض حياتهم للخطر بسبب إهماله الطبي؟ ولماذا يستمر في الترويج لصورة زائفة على الفيسبوك بينما يتجاهل مسؤوليته الأخلاقية تجاه المرضى؟


في النهاية، تبقى قضية الدكتور جمال شعبان نموذجًا صادمًا للتناقض بين ما يتم الترويج له على وسائل التواصل الاجتماعي وبين الواقع الطبي الذي يعيشه مرضاه. قصة عادل الليثي ليست إلا واحدة من قصص عديدة لمرضى تعرضوا للإهمال الطبي تحت إشراف شعبان. وفي الوقت الذي يسعى فيه الليثي لتحقيق العدالة، يتعين على المجتمع الطبي أن يقف أمام هذه الأخطاء بحزم لضمان حماية أرواح المرضى وتحقيق المساءلة اللازمة.