قبل عشرين عامًا، كان إبراهيم عيسى قد انتهى من تنفيذ الجزء الأول من مخططه الذي يسيطر على عقله الباطن وتكوينه النفسي والجسدي، وهو الحصول على الشهرة بأي شكل وبأي طريقة وبأي ثمن.
كانت ضربة البداية التي تلقفها من "عزازيله الداخلي" مهاجمة الشيخ الشعراوي بكل الطرق في مجلة "روزا اليوسف" تحت قيادة عادل حمودة، رئيس التحرير في ذلك الوقت وكبيرهم الذي علمهم كل فنون الابتزاز والارتزاق.
الهجوم على شيخ بمكانة الشعراوي يلفت الأنظار ويجعل الدولة توفر لي حماية، مثلما فعلت مع المستشار العشماوي ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني وغيرهم، وهذه هي أفضل فرصة لفتح ممر آمن مع الأجهزة الأمنية"، هكذا قال عيسى لنفسه عشرات المرات.
بدروم فيصل والعلاقة مع الأمن
بدايةً من عام 2005، جاء الدور على الخطوة التالية، المتمثلة في البيع وجني الثمار، وتأجير القلم والنفس لمن يدفع. فبعد أن نسج ببراعة معادلة العلاقة مع سلطة مبارك "هجوم حاد ولاذع على السلطة والرئيس في صحيفة الدستور وغيرها ، وفي نفس الوقت اتصالات لا تنقطع مع قيادات كبيرة في الدولة وفي جهاز أمن الدولة وأجهزة أخرى لتنفيذ التعليمات المتمثلة في توجيه الانتقادات بالكم والكيف المتفق عليه".
وهكذا سارت العلاقة الآثمة بين أجهزة مبارك وإبراهيم عيسى، عداء رهيب في الظاهر، والنوم ليلًا في سرير واحد.
التدفقات المالية والذهب والفضة
العلاقة السرية والسَّرِيرية مع السلطة تضمن الحماية من سيف المعز، وهذا وحده لا يكفي. فالحياة في بدروم في فيصل مع رفاق "روز اليوسف" أصبحت مملة وقاتمة ومعتمة ولا تليق بالمرحلة الجديدة، أين مغارات الذهب؟ هكذا استمر الصوت الداخلي يزلزل وجدان إبراهيم عيسى.
التمويل الإيراني
لم يقتنع عيسى بفتات الذهب من رجال الأعمال، وعلى رأسهم نجيب ساويرس، فهو يريد أن يغرف من مغارة التمويل، لا يريد خطوات بل قفزات، يريد الثروة بكل أنواعها في أسرع وقت ممكن. فقرر فتح الباب لكل من يبدي إشارة. فلا يمكن أن ينتهي عقد الأربعين من العمر بدون نقلة مذهلة في المستوى المادي. هكذا كان يردد دائمًا.
نقل إبراهيم عيسى العطاء وبسرعة المونوريل "التي لم نرها حتى الآن" من علمانية "روز اليوسف" وناصرية نادي الفكر الناصري بجامعة القاهرة، إلى الإسلام السياسي.
وفي غمضة عين تحول من المهاجم الأول للشيخ الشعراوي وبعض الصحابة، إلى المدافع الأول عن الإسلاميين وعن الإخوان المسلمين، وعقد معهم صفقات سرية مذهلة، دافع عنهم بشكل أدهش الإخوان أنفسهم، فقدموا له العطايا بكل سخاء واعتبروه العضو السري في مكتب الإرشاد.
في تلك الفترة كان حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، قد وصل إلى قمة الهرم في قيادة المقاومة ضد الكيان الصهيوني.
ثم جاءت حرب تموز 2006 والبطولات الخارقة التي قام بها حزب الله بقيادة نصر الله في تلك الحرب والتي أذلت الكيان الصهيوني، وقد شكلت فرصة رائعة لإبراهيم عيسى لنسج شبكة علاقات واسعة وممولة مع الحزب.
فراح يهاجم الأنظمة العربية وعلى رأسها نظام مبارك بسبب موقفها المعادي من حزب الله. كان يطلق على حسن نصر الله لقبه المفضل دائمًا "سماحة السيد"، ولم يكن يسميه إلا "السيد" في مقالاته وفي مانشيتات صحيفة الدستور، بل وحتى في سريرته.
استخدم عيسى مدفعية قلمه في الدفاع عن نصر الله وحزب الله بشكل مثير للغاية ، فانهال عليه التمويل الإيراني، ووصلت الحوالات والدولارات من طهران عن طريق لبنان.
الأزمة أن قادة حزب الله وإيران صدقوا إبراهيم عيسى مثلما صدقه الإخوان، فأجزلوا له العطاء، وضاعفوا التمويل والتحويلات. استمر عيسى هكذا لسنوات، في قمة التوهج في تمجيد حزب الله وقائده، وكان حادًا ولاذعًا وقاسيًا في مهاجمة الأنظمة التي تهادن الكيان الصهيوني.
كنت تستطيع في تلك الفترة أن تشتم إبراهيم عيسى بأمه وأبيه وقد يسامحك، لكن إذا تلفظت بكلمة واحدة ضد حسن نصر الله قد يقاطعك للأبد وقد يتشابك معك بالأيدي.
الانقلاب
قبل ثورة يناير بشهور، بدأ إبراهيم عيسى في تشييد علاقات أقوى مع سيده الجديد نجيب ساويرس، وبدأ في فتح أول قنوات الاتصال مع الأمريكان، وكان يشعر بشيء من الضجر والغضب بسبب تعدد الولاءات داخله، ولاءات ظاهرة وأخرى مستترة. وبعد ثورة يناير مباشرة، وصلت الأوامر بشكل حاد وصارم وصادم لإبراهيم عيسى: "اخلع كل الأقنعة، توقف فورًا عن دور المعارض، أنت ابن الأجهزة وعليك أن تظهر ذلك فورًا، مرحلة العميل المزدوج انتهت. عد إلى قواعدك".
فهم عيسى الرسالة وبسرعة البرق حلق "لحيته الرمزية" التي أطلقها في عقله وليس في وجهه من أجل عطاءات الإخوان، وخلع ثياب الدروشة، والصوفية، وخلع فكر المقاومة، وخلع ثياب الثورة والحرية، وبكل جرأة انتقل لصفوف السلطة، وانقلب على كل كتاباته وكل أفكاره وكل أصدقائه.
طوفان الأقصى والكلب
منذ أن باع عيسى ثورة يناير وانقلب ضدها وشهد زورًا في المحكمة لصالح مبارك- لا يعرف أحد حتى الآن سببًا لسماع شهادته، فهو لم يكن قائد الأمن المركزي ولا قائد الثورة- وهو يبيع كل شيء ويخلع كل شيء، تمامًا مثل راقصات الاستربتيز، اللاتي يخلعن ملابسهن قطعة قطعة بما فيها الملابس الداخلية.
وبعد أن أصبح من أقرب المقربين للسلطة في العلن وليس في السر وبات مكشوفًا ومفضوحًا أمام الجميع، قرر أن يمارس أقصى درجات الارتزاق، وتواصل مع جهات أمريكية وإسرائيلية على علاقة مباشرة بالموساد، ولقد كشف ذلك بالتفصيل والمستندات الصحفي والإعلامي أيمن شرف أستاذ إبراهيم عيسى ومكتشفه.
نزع عيسى آخر ورقة توت تستر مؤخرته، وقرر دون أن يعرف أحد منا من الذي يحميه ويحمي ممارساته ويحمي برامجه ومن الذي يفتح له كل هذه الأبواب أن ينقل الولاء التام من المقاومة للعدو الصهيوني ومراكز أبحاثه والدول الخليجية التي ترتبط بعلاقات وثيقة معه بشكل علني وسافر ومكشوف بلا ذرة خجل أو حياء
سبق ذلك بسنوات التعاقد مع قناة "الحرة" الأمريكية الممولة رسميًا من المخابرات الأمريكية على برنامج بميزانية مفتوحة من أجل التشكيك في ثوابت العقيدة الإسلامية، وفي صحيح البخاري وفي صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد عملية طوفان الأقصى التي تلقى فيها الكيان الصهيوني هزيمة غير مسبوقة في تاريخه باستثناء حرب أكتوبر العظيمة، راح عيسى بكل وقاحة وبجاحة وفجور يسب المقاومة ويكذب ليل نهار بحقها ويروج ضدها أكاذيب وافتراءات ممنهجة وسطحية في نفس الوقت، مقابل مئات الآلاف من الدولارات.
ولأن الدولار هو السيد والإله الوحيد في عقله وقلبه ووجدانه، فلقد تحدث ضد المقاومة بكل عهر، وكأنه مر ألف قرن عما سبق وأن كتبه تمجيدا لها سواء المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية.
راح عيسى يعض اليد التي فتحت له خزائن الذهب والمجد، فكانت الكلاب أكثر إخلاصًا منه ووفاءً منه ، فالكلب حينما تطعمه تتملكه وقد يدفع حياته ثمنًا للدفاع عنك.ولكن عيسى يبصق في الإناء الذي أكل فيه أو شرب منه، يبيع كل أي وأي شيئ مقابل الدولار.
رقص بعد سماع نبأ استشهاد نصر الله
كان إبراهيم عيسى يقلب في إيميله وفي هاتفه بحثًا عن التعليمات الجديدة القادمة من واشنطن أو تل أبيب سواء كانت مشفرة أو صريحة ومباشرة، خلال مشاهدته لمباراة السوبر بين الأهلي والزمالك، وفجأة ظهرت أمامه رسالة: "لقد قتلنا حسن نصر الله". كاد قلبه أن يتوقف من الفرح، قفز من مكانه، كاد أن يُغشى عليه من السعادة،كأنه سمع خبر فوزه بجائزة نوبل،أو كأنه عضو في حكومة اليمين المتطرف الصهيونية . هلل وكبر - نسي أنه ملحد - وأغمض عينيه، وحدثه "شيطانه ": "الآن فقط يمكنك أن تستريح وأن تقلل كمية الحرقان والحزق في برامجك، فلقد استشهد سيد المقاومة، وهذا يعني أن الدولارات لن تنقطع بل وستتضاعف. نم قرير العين أيها الخائن فلقد استشهد سيدك".