رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

سامح لاشين يكتب: القداسة المرفوضة .. ومشايخ "الفتة"

أيمن نادي الحنفي

السبت, 21 سبتمبر, 2024

06:47 م

دار جدالا كبيرا  بين الدكتور عبد الوهاب المسيرى ، والدكتور علي جمعة عندما ناقشت ندوة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة محاور موسوعة المسيري عن اليهودية - وذلك في وقت صدورها - حول تقبيل يد العلماء.

المسيرى وقتها رفض بشدة واعتبرها نوعا من الحلولية الصوفية المرفوضة، بينما أعتبرها جمعة توقيرا وتقديرا للعلماء وأنه لا بأس من تقبيل اليد. 

وقتها أخذت أفكر في الأمر كثيرا وكنت أكثر ميلا للمسيري في تحليله ، بل اعتبرتها قداسة مرفوضة ، وقداسة غير موجودة في الإسلام بل الأكثر من ذلك الإسلام ضد السلطات الروحية التي تخلق زعامات مقدسة لا تتماشى مع الفكرة الإسلامية القائمة على  أنه لا قداسة بين بني البشر . 

والسؤال : هل يوجد مناصب دينية في الإسلام تتبعها سلطة تتحكم في البشر وتوزع عليهم البركة والغفران أو تصب عليهم اللعنات ؟ الإجابة "لا ".. لايوجد سلطات دينية في الإسلام ينتج عنها ذلك. 

ولا يوجد نص واحد يعكس ما هي هذه المناصب ؟ وما هي سلطة هذا المنصب ؟ بما في ذلك لقب " الشيخ " الذي يجري على كل لسان وينعت به كل شخص يتحدث في الدين ، وهذا في تصوري له معنى واحد أن السلطة الدينية التي أنتجتها تلك الطرق والجماعات المختلفة والمتجسدة في عبارات "شيخ الإسلام" ،  و " القضب" ، و" المرشد"،  و" أعلم أهل الأرض " ، والإمامة المعصومة ما هي سوى أسماء سمّيتموها ما أنزل الله بها من سلطان . 

ومن الواضح أن هذه الألقاب جاءت منذ زمن بعيد لأسباب سياسية وليست دينية ولكنها ساهمت في تحويل  هذه الألقاب لزعامات دينية ذات تأثير واسع على الجماهير تكون أداة في يد  السلطة يسهل تحريكها  . 

واليوم .. أضف إلى السبب السياسي آخر اقتصادي وهو تحول كل شئ لسلعة بما فيها الدين ذاته فجاءت هذه الألقاب لخدمة أمرين الأمر الأول أهداف تستطيع من خلالها السلطة التحكم في هؤلاء الزعامات الوهمية وتحركها كيفما تشاء ووقتما تشاء ، والأمر الثاني أهداف اقتصادية  وتحويل الدين لسلعة يقدموها للناس لتحقيق التكسب و المكانة ، وللأسف ليس من أجل العلم كما يتشدقون. 

فلا غرابة في ظل هذه العوامل وهي عوامل كامنة في التاريخ ومستمرة  أن نجد ظواهر مشايخ الطرق الصوفية والمريدين تزداد بصورة كبيرة في مجتمع هش .. التعليم فيه ردئ وليس هذا فحسب بل بعض الذين  تعلموا لا يؤمنون بقيمة العلم فيتجهون لمسالك بعيدة تماما بل لا أبالغ حينما أقول أنها بعيدة عن الإسلام ، فضلا عن أن النظم السلطوية  تقف في الظل وراءهم ليكونوا في مواجهة تيارات أخرى. 

وللأسف - وبالتأكيد لا أعمم - إن الصوفية المنتشرة في مصر عبر العديد من الطرق والمسميات معظمها مزيفة ولا تمت للصوفية بصلة تلك الفلسفة الروحية التي تصل بصاحبها لمراتب عليا من خلال العبادة والزهد دون ممارسة سلطة على أحد  ، إلا أننا نجد المشايخ يمارسون تأثيرا روحيا على المريدين لم يكن يمارسه الرسول نفسه. 

هذا التأثير ليس قاصرا  على الطرق  التي تنعت نفسها بالصوفية فقط، وإنما يوجد في السلفية التي هي على النقيض من الصوفية وتمارس التكفير ليلا نهارا أن مشايخها يمارسون تأثيرا كبيرا على حجم لا يستهان به من الجماهير ويمارسون تأثيرا لا يقل عن مشايخ الصوفية ، ونجد أن منهم ما يلقبونه بأعلم أهل الأرض ليمارس سلطته العلمية على الآخرين ، وإنه حبر الأحبار . 

وفي جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين يمارس المرشد سلطة سياسية وروحية ومبدأ قائم على الطاعة لولي الأمر يتم تنفيذ الأوامر بحذافيرها دون مناقشة أو جدال ويقدمون سلعة تبشر بالخلافة القديمة والمجد البائد  . 

ونصل بعد ذلك لمحطة الشيعة التي تعتبر الإمامة معصومة مما يعكس حجم كبير من المكانة وصلت إلى درجة العصمة وممارسة السطوة على النفوس ، وإعطاء الأوامر ، ووجوبية الطاعة ، وولاية الفقية وتأسيس الدولة عبر نظرية دينية و ثيوقراطية ليست في الإسلام لا من قريب ولا من بعيد. 

إن أي نظام أو سلطة تريد أن تصنع الزعامات الدينية فهذا في صالحها تماما فمن خلالهم تستطيع السيطرة على الجماهير الغفيرة ، بل تسطيع من خلال شيخ الطاغية أن تقوم بتغييب الوعي بمنتهى السهولة . 

هذا ما حدث عبر عصور عديدة ولازال يحدث لكن أكثر مثال يعكس ويوضح العلاقة بين المشايخ والسلطة ما فعله " محمد علي" مع "عمر مكرم" كيف تخلص منه من خلال أقرانه المشايخ ، وماذا فعل محمد على بهؤلاء المشايخ بعد أن كانوا قفازه الذي وجه به لكماته لمن أتى به إلى سدة السلطة ؟ 

فمشايخ الطاغية كانوا خير عونا لمحمد علي في التخلص من عمر مكرم الذي أبدى اعتراضه على سياسته ورفض أن يصعد له للقلعة فما أن كان على محمد على أن يحرك أحقادهم على عمر مكرم ، ودب الخلاف بينهم حول تولي المناصب والمسائل المالية واستشرى الفساد بينهم وتدهورت مكانتهم عند الشعب. 

 وكتب الجبرتي عنهم ووصفهم قائلا : " "انهمكوا في الأمور الدنيوية والوساوس الشيطانية والمسارعة للولائم في الأفراح فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين و للكباب والمحمرات خاطفين " و هؤلاء ما أطلق عليهم بمشايخ الفتة في كل عصر وكل زمن ومع كل سلطة ظالمة كانت أم عادلة. 

و أستطاع محمد على التخلص من عمر مكرم عبر هؤلاء ثم التفت اليهم واحد تلو الآخر  فالشيخ المهدي لم يتولى مشيخة الأزهر ، والشيخ السادات نقيب الأشراف بعد وفاته هدد محمد علي زوجته بإغراقها في النيل إذا لم تفصح عن حقيقة ثروته ، و الدواخلي عزله من نقابة الأشراف ونفاه إلى دسوق وشمت الناس في الدواخلي لأنه عمل كل ما في وسعه للتخلص من عمر مكرم . 

وأختتم من حيث بدأت القداسة مرفوضة تماما وأوهام الكمال والكرامات خداع كبير يمارسه المرتزقة للتكسب من البسطاء الذين يعانون من ألوان الظلم ويبحثون عن الأفيون ولم يجدوه سوى عند تجار الدين .