رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

سامح لاشين يكتب : قداسة السيد حسن نصر الله .. والهزيمة بين السلاح والسياسة

المصير

الثلاثاء, 1 أكتوبر, 2024

07:02 م

أرفض حالات الهوس بالأشخاص في أي مجال سواء السياسية أو الفنية أو الرياضية أو الدينية لأنها تضفي على الشخص هالة من التقديس والتنزيه تحرمنا من أي نقد موضوعي لهذا الشخص .

وبنفس القدر أرفض الكراهية التي تحول أي شخص ناجح لفاشل لمجرد مشاعر سلبية كامنة ترفض أن ترى النجاح والتفوق في الآخرين فتهيل التراب دائما على الأشخاص والتجارب . 

أقول ذلك على خلفية إغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني والحوار الذي دار حول الرجل ودوره ، وهنا أقول ليس معنى أن الزعيم السياسي لحزب الله قدم نفسه أنه مقاومة أن كل الأعمال التي قام بها كانت تدخل في طور المقاومة وأن السلاح وجه فقط للعدو ولم يوجه للحفاظ على بقاء أنظمة طائفية مستبدة ارتكبت جرائم من أجل بقائها في السلطة، ومن ثم لم تكن المقاومة بلا أخطاء وزعامتها مقدسة حتى تخرج من طور النقد وخاصة عندما تكون هناك منطلقات طائفية في مسلكها السياسي فلا قداسة حتى لو كانت ذلك يتعلق بسلوك المقاومة نفسها عندما ترتكب أخطاءً .  

وفي الوقت ذاته ولا يجب أن ننكر وإلا سنكون جاحدين أن حزب الله تمكن في ٢٠٠٠ و ٢٠٠٦ من النجاح أمام إسرائيل وكان بحق في المشهدين يجسد روحا للمقاومة والبطولة  .

وحول الصراع الدائر مع العدو ومحاولة توصيف ما حققه أنه نجاحا عسكريا فقط  أود أن أقول أنه في أي معركة عسكرية يكون أهدافها تحقيق أغراض سياسية إذا لم تتحقق الأغراض السياسية التي من أجلها قامت المعركة فأنا خسرت سياسيا لاشك أما عسكريا فأنا أيضا  خسرت لأن السلاح لم يحقق أهدافه التي من أجلها أطلقت الرصاص  ، وذلك حتى ولو لم أتلقى هزيمة عسكرية فادحة . 

و في حالة إسرائيل هي تستخدم أقصى درجات العنف من أجل أن تفرض أمرا واقعا ووضع سياسي جديد وأتصور أنها ناجحة على الصعيدين العسكري والسياسي منذ أن قامت وحتى الآن فمنذ عام ١٩٤٨ تمكنت من هزيمة العرب و أعلنت دولتها وحظيت باعتراف دول كبرى . 

في العدوان الثلاثي عام  ١٩٥٦ خرجت إسرائيل مرغمة بسبب القوى العظمى الجديدة وقتها الاتحاد السوفيتي ، والولايات المتحدة ولكنها نجحت في الحصول على حق الملاحة ووجود قوات دولية فاصلة مع مصر . 

في عام ١٩٦٧ نجحت إسرائيل في إشباع نهم التوسع وابتلعت أجزاء غالية من الأرض العربية ، وكسرت مشروعا عروبيا سواء أتفقنا أو إختلفنا حول كونه مشروعا فاشلا أم ناجحا ، وهنا نجحت 
 أيضا ونجاحها سياسي وعسكري معا .

و في نصر  أكتوبر الوحيد لم تكن  الهزيمة العسكرية لإسرائيل وحدها كافية من أجل تحرير سيناء المصرية فكان اللجوء للمفاوضات السبيل لتحرير الأرض - وهنا أحب أقول كيف يؤثر السلاح في السياسة - وذلك حينما أوعز هنيري كيسنجر لإسرائيل بضرورة أن يكون الموقف على أرض المعركة متساوياً بين طرفي النزاع  قبل الجلوس على طاولة المفاوضات حتى ولو  بالدعاية فقط  ، وذلك لإفلات الفرصة على مصر من إملاء شروطها بالكامل  على طاولة المفاوضات فما كان على إسرائيل كعادتها أن لا تلتزم بوقف إطلاق النار ، وتستغل "الثغرة" بشكل دعائي كبير وأنها على بعد ١٠٠ كيلو من القاهرة في محاولة منها لتطبيق تعليمات كيسنجر وإستخدام ذلك للضغط على مصر .

هنا ما يؤكد أن السلاح دوره مهم في رسم ما يتحقق من الأهداف السياسية ونجاحها ، و يلعب دورا  رئيسيا  في رسم المستقبل والخرائط بل والخيارات وأي إتفاقية على الورق هي ترجمة لحقائق القوى على الأرض  ، ومن ثم تصوير أن ما حدث من بعد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية من أحداث في الإقليم وصولا لاغتيال حسن نصر الله أنه نصر عسكري لإسرائيل وليس نصرا سياسيا أمر يجافي الحقيقة تماما لماذا ؟ 

إسرائيل لديها قدرة بمساعدة أمريكا على تصفية المقاومة أولا بأول تصل لرؤوس لقطعها وهذه استراتيجية دأبت على تنفيذها بنجاح كبير والتاريخ كله أحداث إغتيال للصفوف الأولى في المقاومة ولم يستطع أحد مواجهة هذا الإسلوب . 

إسرائيل نجحت بالحرب والسياسة معا أن تنتقل من رفض العرب لوجودها إلى دولة صديقة لدول في المنطقة كلنا نعرفها تماما - ذكرها نتنياهو في خطابه - ونعرف حجم التعاون الاقتصادي والمشاريع المخططة والمرسومة للمنطقة والذي ما يحدث الآن على الأرض لا يخرج عن كونه مرحلة مهمة للقضاء على كل من يقاوم هذه المشاريع والتي ستكون لإسرائيل دور مركزي ومحوري تقود فيها الأمة العربية . 

إسرائيل فرضت أمرا واقعا بعد أوسلو أجهضت فيه مشروع قيام دولة فلسطينية وتوغلت بالسلاح لإقامة مستوطنات وسجنت الشعب الفلسطيني في قطاعين قبل حرب غزة كانت تمارس عليهما يوميا قهرا مستمر بلا هوادة وقبلها استطاعت أن تطرد المقاومة من كل مكان من الأردن ولبنان بل وصلت يدها إلى تونس في نهاية الثمانيات  . 

إسرائيل دمرت كل مشاريع السلام،  ودائما تشهر سلاحها لرسم واقع جديد بدأت عمليتها العسكرية في إكتوبر الماضي وسحقت قطاع غزة واستقطعت الشمال وشطرت القطاع ووقفت عند ممر "فيلاديفيا " . 

وفي لبنان تتحرك وتصول  وتجول وتغتال حسن نصر الله وتتحرك دبابتها واليوم حزب الله يبدي موافقته للحكومة اللبنانية بقبول المبادرة الفرنسية الأمريكية لوقف إطلاق النار ويعود خلف الليطاني ، وذلك بعد أن تخلت إيران عن ذراعها وتركته لمصيره ، واليوم تطلب إسرائيل نزع سلاح حزب الله ، وهنا وفي هذه اللحظات من يفرض إرادته على الأرض من الذي يخلق واقعا سياسا جديدا بالسلاح هل بعد كل هذا يخرج علينا من يتفلسف ويقول انتصارا عسكريا أم سياسيا حقا إنها مأساة ! 

أسرد هذا وتنتابني الحسرة الشديدة مما اعترانا من ضعف شديد وتخلف ودول مأزومة إقتصاديا فكل ما حدث لم يكن سببه المؤامرة بقدر أننا لم نكن على قدر الصراع ولم نمتلك أدواته التي تجعلنا لا ننهزم في معاركنا ، ولا تستأسد علينا إسرائيل وتقود الأمة العربية في المشاريع الاقتصادية ورسم المنطقة وفقا لخريطة إسرائيل وأمريكا التي يفرضها نتنياهو علينا . 

لم نكن على قدر الصراع بسبب الجهل وتغييب العلم والأوضاع الاقتصادية التي تنتقص من قدرات الدول ، والتي لاشك تضعف قدرتها واستمرارها على المواجهة وأي لاعب إقليمي  يحتاج لمعدلات تنمية شاملة تتجاوز ال ١٠ ٪؜ مع القوة العسكرية التي يكون لها اليد الطولة التي تصل لأي مكان يهدد أمنها وليس فقط الحفاظ على حدود الدولة . 

لم نكن على قدر الصراع لأن الديمقراطية الحقيقية غائبة والاستقرار الذي نتكلم عنه لم يحقق التنمية المطلوبة وحلم العدالة الضائع .  

إن المستقبل وحده الكفيل ليثبت لنا جميعا أن إسرائيل المحتلة والتي تضعنا في معسكر السلام لا تضمر لنا سوى الشر ولم تتخل عن أحلامها في التوسع وحدود دولتها المنشودة ، و أنها تعيش غطرسة القوة .