رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

سامح لاشين يكتب :الغارقون في الطوفان .. وسردية المأساة

المصير

الثلاثاء, 8 أكتوبر, 2024

07:37 م

متى بدأ الطوفان ؟ ومتى ينتهي ؟ هل الطوفان بدأ ٧ أكتوبر ؟ أم أن الطوفان كبير  و بدأ مع بداية سنوات الصراع الطويل والمرير بدأ مع إغتصاب الأرض ومستمر حتى الآن في موجات ؟ و من الذي نجا .. ومن الذي غرق من هذا الطوفان ؟ 
أرى أن الطوفان لم يبدأ في ٧ أكتوبر بل  بدأ مع بداية سنوات الصراع وإغتصاب الأرض وآلة القتل المستمرة للأطفال والنساء والشيوخ . 

أرى أن الطوفان الكبير لم تكن فيه سفينة نوح ولازالت غائبة والغارقون نحن جميعا وإن يعيش بعضنا .. فالسلام لم يرسم الخرائط بل رسمته المدافع بخطوط من الدماء . 

أما  أمريكا وإسرائيل فهم بالفعل يمنعون بناء أي سفينة للنجاة فغرقنا في هزائم متتالية والأمة فقدت أرضها وإن كانت لا تزل تعيش فوقها . 

ما هو طوفان  الذي طال الأنظمة العربية وشعوبها وغرقت ؟  و ما هو طوفان الذي طال  المقاومة وغرقت  ؟ 
طوفان الأنظمة العربية التي غرقت فيه ولم تنجو منه هو حجم الصراعات بين أسر وممالك وجمهوريات أرادوا الزعامة وتنافسوا عليها .. وقهروا شعوبهم واستمروا في استيلائهم على السلطة وأضاعوا فرص التنمية الحقيقية وتخلفوا وغرقوا في التعصب والطائفية فغابت العدالة المنشودة وأصبح الطغيان عنوان للعصور  والمراحل وانهزموا في موجات الطوفان منذ نكبة  ١٩٤٨ وحتى يومنا هذا مرورا بكارثة ١٩٦٧ وتدخلت أمريكا لايقاف النصر الوحيد في  ١٩٧٣. 

الرئيس "صدام حسين" الذي أساء التقديرات أدخل العراق صاحب  التاريخ الكبير والثروة الهائلة في حرب ٨ سنوات أمام إيران "الخوميني" - الذي سرق ثورة إيران وأقام حكما دينيا طائفيا أراد أن يصدره للعالم العربي - وانتهى الأمر بتبديد قوة العراق . 

وجاءت الفتنة الرابعة في تاريخ هذه الأمة وهي حرب الخليج الثانية والتي حاول فيها "صدام حسين" إحتلال الكويت فكانت لحظة مفصلية بكل المعايير وأدت لانقسام خطير بين معسكرين ، والأخطر على الإطلاق هو أن أمريكا وجدت لنفسها مبرر لتعزيز وجودها في المنطقة والمبرر حماية دول الخليج لعدم قدرتها على حماية نفسها ، وتواجدت بعد قمة عربية هي الأخطر على الإطلاق ووضعت أمريكا أقدامها بأغلبية بسيطة من الجامعة العربية وليس بإجماع كما كان يريد "القذافي" في هذه القمة ومررت مصر  "مبارك" القرار في لمح البصر . 

وعاشت العراق سنوات طويلة من الحصار دفع فيها الشعب العراقي ثمنا فادحا إلى أن إحتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق في ٢٠٠٣ وكان بمثابة طوفان جديد يغرق  المنطقة. 

ودخلت العراق دوامات الفوضى والطائفية والإرهاب ، وفقدنا مقومات قوة لايستهان بها ،  وسقطت كما أرادت لها أمريكا وإسرائيل أن تسقط ولكن بفضل الطغيان وليس المؤامرة كما يروج بعضنا ، و أن ما حدث كان يصب في صالح إيران والخليج ايضا التخلص من زعامة أثارت الزعر لعروش الملوك . 

وبعدها انفرط عقد المسبحة ، ولم يكن الربيع الكاذب الذي مر على بعض الدول سوى خلخلة تستهدف تعديل الأشخاص وليست الأنظمة ، وسقطت سوريا في دوامات الطائفية  وأصبحت مرتع لكل القوى الدولية والإقليمية  روسيا وإيران وذراعها حزب الله لمساندة بشار وبقائه في السلطة أمام الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والخليج ، وذهبت سوريا ولم تعد . 

أما لبنان لا تمثل سوى دولة ممزقة وتناحر طائفي ضارب في أعماق التاريخ منذ أن ذهب جيش محمد علي بقيادة إبراهيم إبنه وناصر الموارنة أمام الدروز ، ومنذ إندلاع أول حدث طائفي كبير في عام ١٨٦٠ عندما ذبح الدروز ٥ ألاف ماروني في ليلة واحدة  وبعدها بدأ حكم المحاصصة بين الطوائف ، وفي ١٩٤٣ تدخلت مصر وأطفأت حريقة طائفية وأقترح النحاس أن يكون ٦ نواب مسيحيين أمامهم ٥ مسلمين في تمثيل برلماني  وكلها مقسمة بين الطوائف ، وانهارت الصيغة مع بنادق المقاومة التي ضلت التصويب  في ١٩٧٥ واستمرت الحرب الأهلية حتى تم توقيع اتفاقية  الطائف في عام ١٩٨٩ والتي تشهد تعثرا كبيرا اليوم فالبنان اليوم بلا رئيس والحكومة مؤقتة لتصريف الأعمال .. فلبنان اليوم  دولة مكشوفة تحت نيران الطيران الإسرائيلي ، وولاءات الطوائف للخارج.

نحن أمام أنظمة عربية ولدت من رحم  الاستعمار وبعد آلام المخاض  والولادة انتقلت  لوصاية  سيد الحماية في أوقات الخطر الذي يمنحهم الآمان  من قوميات أخرى أو أنظمة أو طائفة تريد الانقضاض على العروش  . 

وبقيت هذه الأنظمة غارقة في طوفانها ووجدت أنه لا ملاذ من أن تقفز على سفينة النجاة "الأمريكية - الإسرائيلية"  وتطبيق  ما يرسم للمنطقة ،  وتمد جسور التعاون وصناديق الاستثمار والأموال المتدفقة والتعاون بلا حدود ، قبل الحصول على الحقوق المهدرة وعلى حساب قضية أهدرت ، والحجة التنمية والسلام والرخاء ويبدو أن هذه التنمية ليست للشعوب بل للأنظمة ، والشعوب ستظل في فقرها كما لو كان قدرا محتوما عليهم فلم يحقق لهم السلام ووعود الرخاء و التنمية شيئا يذكر  بل زادت  معدلات الفقر بشكل مخيف مع روشتة صندوق النقد الدولي التي هرولت دول نحوه ، حيث تصورت خيالات الأنظمة أنها سفينة نوح والحقيقة إنه الطوفان بعينه  . 

هذا بعض من كل عن طوفان الأنظمة والشعوب معا  فماذا عن طوفان المقاومة ؟ 
أما الطوفان الذي طال المقاومة ليس من اليوم أو من ٧ اكتوبر الماضي فأذا كانت حماس أطلقت كلمة الطوفان للأسف لم تغرق فيه إسرائيل بل غرقت غزة ، والآن أصبح القطاع مقسما جغرافيا وخلقت إسرائيل وضعا جديدا على الأرض ومن وراءها أمريكا  ، و قبلها لم يكن الوضع ورديا  الاحتلال  وضع غزة والضفة خلف قضبان السجن ، ونسفت كل عمليات التسوية بسياسة الإحتلال  الاستيطاني فلم تفلح كل الحلول البائسة منذ أوسلو وما وبعدها والتفّ الاحتلال عليها وأفرغها من مضمونها ووضعت غزة والضفة في سجن كبير و أصبح من المستحيلات المناداة بدولة فلسطينية . 

و الطوفان ضارب في صفوف المقاومة منذ أن بدأت عندما ضلت البندقية رصاصها وعندما تناحرت الفصائل فيما بينها وتصارعوا على السلطة قبل العثور على الدولة المفقودة  ، والأكثر خزي أن منهم من تعاون مع الإحتلال ومن صنع الشراكة الاقتصادية بما فيهم أبو مازن نفسه ، وعريقات ، وغرقوا أكثرهم في طوفان الفساد مع طوفان الاحتلال . 

المقاومة ضربتها طوفان الاختلافات  الأيدلوجية من اليمين لليسار ، بالإضافة  للخيانات العلنية والمستترة  قبل أن يضربها الاحتلال ويقطف رؤوسها .

المقاومة التي غرقت في دروب التجاهل من الأنظمة العربية التي أدارت يد مساعدتها فتخبطت في السير ووقعت في يد الاستغلال الإيراني الذي يلعب بأجنداته الخاصة القائمة على قومية ونعرة فارسية ترى في العرب أنهم درجة ثانية بصرف النظر عن استخدامها للخطاب الإسلامي الذي يحمل أهدافا استقطابية  في المقام الأول  . 

و سقطت كل أيدولوجيات المقاومة الفلسطنية ، ولابد من التخلص من حماس فهذه آخر أيدولوجية ترفع شعار المقاومة وبصرف النظر إن كنت تتفق معها أو تختلف وإن كنت تحملها مسئولية ما حدث أو لا تحملها فإسرائيل في كل الأحوال تريد أن تقضي على جميع من يرفعون شعارات المقاومة سواء أقبلت حماس على ٧ أكتوبر أو لم تقبل الموضوع في تصوري هو التعجيل بمواعيد نزيف الدماء وهذا التعجيل لم يكن لصالح الدولة الفلسطينة المفقودة بل لصالح إيقاف مشروع تطبيعي اقتصادي يتم على قدم وساق تريد أن تعطله إيران ومن وراءها  . 

والمفاجأة المدوية أن جميع المشاريع المرسومة من جميع الأطراف الدولية المتصارعة فيما بينها لا تضع في حسبانها أن تكون لفلسطين دولة ومكان ولو صغير في وسط هذه المشاريع ، وتوزيع الغنائم بين أطراف معسكر السلام  لا يضع في حسباته الشعوب المقهورة. 

أما حزب الله الغارق ايضا في وحل سنوات طويلة من رصاصه الذي توجه ليس للاحتلال وإنما للمختلف في الايدلوجية من المخالفين للحزب من حركة أمل في آواخر الثمانيات من القرن الماضي ، كما تتوجه أصابع الاتهام لكثير من الأحداث بل الجرائم داخل لبنان وخارجها فذراع إيران التفوا حول بشار الأسد وارتكبوا ما ارتكبوا ، لم يكن دور حزب الله مقاومة فقط فمنذ ولادته فهو أساسا ضد التيارات العلمانية والديمقراطية حتى ولو هذه التيارات في صفوف المقاومة كل هذا وغيره تجعل المقاومة تغرق في الطوفان . 

والآن وفي هذه اللحظة الحالكة إذا كنت من معسكر السلام أو كنت تقف في صفوف المقاومة ففي المعسكرين لن تنجو من الطوفان فمشروعات السلام لا مكان فيها للشعوب الكادحة فالأغنياء يزدادون في الغناء والفقراء يزدادون فقرا .. وان كنت تقف في معسكر المقاومة سيطلق عليك الرصاص وتصبح فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي .. فكلنا لازلنا غارقون ونبحث عن سفينة نوح  . 

سفينة نوح التي تكمن في الإرادة للتغيير الحقيقي إرادة الشعوب لتخرج من كبوتها ورفضها للظلم والتخلف والجهل ثالوث الطوفان ومن ثم لا معسكر فائز حتى الآن .