رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

مختار محمود يكتب: اليوم العالمي للمُسنين؟! واللهِ ما أنصفناهم!

أيمن نادي الحنفي

الثلاثاء, 1 أكتوبر, 2024

01:47 م

يحتفل العالَم في الأول من شهر أكتوبر منذ العام 1990 باليوم العالمي للمُسنين. تقول التقديرات الرسمية: إن مَن يتجاوزن 65 عامًا يشكلون 10% من سكان العالم. 

يركز الاحتفال الرابع والثلاثون هذا العام على موضوع "الحفاظ على الكرامة مع التقدم في السن: أهمية تعزيز أنظمة الرعاية والدعم للمسنين في جميع أنحاء العالم".

في دول كثيرة حولنا..يحظى كبار السن بمعاملة آدمية واحترام وتقدير مُضاعفين، وتسهيلات لا حدود لها في الحصول على الخدمات ومُقومات الحياة الأساسية دون حملات دعائية ولا إعلانية، ودون تمييز!.

ومن العالمي إلى المحلي..لعلك لاحظتَ مثلي في الفترة الأخيرة شكاوى واستغاثات من أفاضلَ تستعصي الحياة عليهم في مرحلة حرجة من عمرهم. والغريب أنهم ليسوا فقراء معدمين، بل إن منهم أكاديميين وموظفين كبارا خرجوا على المعاش، ولكنهم وجدوا أنفسهم على حافة الهاوية! في مصر ما يزيد على 9 ملايين مُسن بحسب التقديرات الرسمية. 

ما الذي يدفع أستاذًا جامعيًا إلى أن ينشر عبر الفضاء الإلكتروني فاتورة الكهرباء "الشهرية" التي تتجاوز إجمالي معاشه الذي يتقاضاه بعد أكثر من ثلاثين سنة خدمة؟ ما الذي يدفعه إلى التساؤل متحسرًا: ومن أين وكيف سوف أعيش بعد دفع هذه الفاتورة؟ ما الذي يجعل مسؤولاً سابقًا في وزارة مُهمة يطلب عبر حسابه الشخصي على السوشيال ميديا "أي عمل" يساعده على أعباء الحياة التي تفوق معاشه الهزيل؟ ما الذي يُجبر موظفًا سابقًا يلامس عامه السبعين على العمل سائقًا خاصًا أو من خلال إحدى شركات النقل الحديث إلا إذا كان معاشه فشل في أن يجعله يعيش ما تبقى من حياته في هدوء وراحة؟ أتحدث هنا على مسنين لا ينطبق عليهم ظاهريًا شروط العوز والحاجة التي تشترطها جهات الدعم والمساعدة المختومة بختم النسر.

 فالموضوع أكبر من ذلك بكثير جدًا، والتغافل عنه جريمة أخلاقية وإنسانية فادحة! 
"إنَّ من إجلالِ اللهِ إكرامَ ذي الشَّيبةِ المُسلم....".. نصًّا منْ حديثِ الرسولِ الكريمِ، في الحثِّ على إكرامِ الكبارِ، ومنْ تقدمتْ بهم السنونَ، وعصفَ بهم الزمن. 

المجتمع المسلم – نظريًا- قائمٌ على البرِّ والتعاون والرحمة والعرفان، وليسَ على الإثم والأنانية والقسوة والجحود والنكران.

 التطبيقُ العملىُّ يثبتُ أننا نعاملُ هذهِ الفئةَ بما يتصادمُ معَ القيمِ الدينيةِ والمبادئِ الإنسانيةِ، وبما لا يتناسبُ معَ واقعِهم الجديدِ، خاصةً مَن تحرى منهم الحلال والطيب طوال مسيرته، ولم ينحرف عن الجادَّة ولم يضعف أمام الحرام.


مواقع التواصل الاجتماعى تكتظُّ بصورٍ ومنشوراتٍ تعكسُ الظروفَ السيئة التي يعيشُها قطاعٌ كبيرٌ من المُسنين، الذينَ بذلوا عمرَهم في خدمةِ وطنِهم، كلٌّ في موقعِه، وبحسبِ ما خطَّتْ له الأقدارُ. بعضُهم كان يتولَّى مناصبَ مرموقة، ولكنه فوجئ بعد إحالتِه للتقاعد بأن راتبَه الذي كان يكفيهِ بالكادِ ويسترُه، تراجعَ عدةَ خُطواتٍ إلى الخلفِ، ولم يعدْ له قيمةٌ في زمنِ التعويمِ والغلاء المستطير، وبعضُهم يتحدثُ عن عدمِ قدرتِه على تحمُّلِ نفقاتِ علاجِه، وكثيرٌ منهم يروى بمرارة سوءَ المعاملةِ في سبيلِ الحصولِ على معاشِه الزهيدِ، وجميعُهم يتشاركون في الإحساسِ بألم الجحود والنكران.


 المجتمعاتُ التي تجحدُ كبارَها مجتمعاتٌ بلا ضميرٍ أو إنسانيةٍ وتعانى خللًا واضحًا في تركيبتِها. ومنْ يعيشُ في عنفوانِه اليومَ، سوفَ يكبرُ غدًا ويشيخً ويمرضُ، وما كانَ ربُّك نسيَّا، فدوامُ الحالِ منْ المُحالِ، ولا حُزنَ يستمرُّ، ولا فرحَ يدومُ. أيةُ نفسٍ سويَّةٍ تتألمُ حتمًا عندما تبصرُ ستينيًا أو سبعينيًا أو ثمانينيًا يتكففُ الناسَ في الشارع؛ حتى يسدَّ رمقَه أو يسترُ جسدَه أو يداوى سقمَه، إنه المشهدُ الأكثرُ قسوةً والأدنى إنسانيةً، الذي يصدمُنا يوميًا، ويعكسُ إلى أي حضيضٍ هبطنا. 
عمرُ بنُ الخطَّابِ – رضى اللهُ عنه- رغمَ ما كانَ بهِ منْ صلابةٍ، رقَّ قلبُه عندما وجدَ مُسنَّا وضريرًا "يهوديًا" يطلبُ الصدقةَ، فأسقطَ عنه وعنْ أمثالِه الجزية، وأمرَ لهم براتبٍ مُنتظمٍ من بيتِ المالِ، وقالَ قولتَه التي تعكسُ جوهرَ الإسلام والإنسانية الخالصة: "فواللهِ ما أنصفناهُ إذا أكلنا شبيبتَه ثمَّ نخذلُه عند الهِرَمِ". إنَّ هذهِ الفئةَ التي يزيدُ عددُها في مصرَ –كما ذكرنا- على تسعة ملايين، لا تحتاجُ قراراتٍ فوقيةً تصدرُ منْ أبراجٍ عاجية، ولا مبادرات دعائية ولا متاجرة رخيصة، ولكنْ تحتاجُ ضمائرَ حيَّةً تشعرُ بحالِهم وواقعِهم الجديد، تتعاملُ معهم بامتنانٍ وعرفانٍ، وليسَ بغرورِ وتعالٍ، فكلُّ صغيرٍ سوفَ يكبرُ، والأيامُ دوَّارةُ، وكما تدينُ تُدانُ.