كتبت: نجلاء كمال
في السنوات الأخيرة، طرحت الحكومة المصرية عبر البنك المركزي مبادرات للتمويل العقاري تستهدف الإسكان المتوسط وفوق المتوسط، وذلك بهدف تسهيل الحصول على وحدات سكنية بأقساط طويلة الأجل تصل إلى 30 عامًا، وبفوائد مخفضة.
هذه المبادرات كانت خطوة مرحب بها من قبل العديد من المصريين الذين وجدوا فيها فرصة لتحقيق حلم امتلاك المسكن، لكن سرعان ما تبددت بعض الآمال عندما أصبحت هذه المبادرات تتطلب شروطًا معقدة، مما أثار تساؤلات حول مدى فعالية هذه البرامج في الوصول إلى الفئات المستهدفة، خصوصًا الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في مصر وتصاعد حاجة البلاد للتمويل الخارجي، دخلت الحكومة المصرية في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
وفي إطار هذه المفاوضات، اشترط الصندوق إنهاء بعض المبادرات الحكومية المدعومة، ومنها مبادرات التمويل العقاري. هذا الانتقال إلى وزارة المالية، بدلاً من البنك المركزي، جاء في سياق محاولات الدولة لترشيد النفقات وإدارة الدعم الحكومي بفعالية أكبر.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت هذه المبادرات بالفعل "منحة" من الحكومة للفقراء، أم كانت في جوهرها "تعذيبًا" لطبقات لا تستطيع أساسًا الاستفادة منها؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب النظر بعمق في الشروط التي وضعتها المبادرات.
شروط قاسية ومعايير لا تنطبق على الجميع
منذ بداية هذه المبادرات، واجه العديد من المصريين صعوبة في تلبية الشروط المطلوبة للاستفادة منها.
من أبرز هذه الشروط كان ضرورة وجود دخل ثابت يثبت القدرة على سداد الأقساط الشهرية. لكن، في واقع الحال، نسبة كبيرة من المصريين يعملون في وظائف غير ثابتة أو في القطاع غير الرسمي، مما يجعلهم غير مؤهلين للحصول على هذا النوع من التمويل.
هذا بالإضافة إلى شروط أخرى مثل العمر والمقدمات المالية التي غالبًا ما تكون مرتفعة نسبيًا.
على الرغم من أن المبادرات تستهدف فئة متوسطي الدخل، إلا أن غالبية المستفيدين منها كانوا من الطبقات الأعلى قليلاً من المتوسطة، حيث تتطلب القدرة على تقديم مقدم كبير وتوفير دخل ثابت يضمن قدرة الشخص على الالتزام بالسداد على مدار عقود.
وهنا يكمن التناقض: في حين يتم ترويج هذه المبادرات كإجراءات لتخفيف عبء الإسكان عن الفئات الأقل دخلًا، نجد أن شروطها تجعلها خارج متناول يد العديد من المصريين الذين هم بأمسّ الحاجة لهذا النوع من التمويل.
مطالب صندوق النقد الدولي: ضرورة أم عقوبة؟
مع انتقال المبادرات إلى وزارة المالية وتوقف دعمها المباشر من البنك المركزي، بدأت الأسئلة تثار حول مستقبل هذه البرامج وما إذا كانت ستستمر بنفس الفعالية.
الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي لإنهاء بعض هذه المبادرات تعكس توجهًا نحو تقليص الإنفاق الحكومي على الدعم المباشر، وهو ما يضع الفئات التي كانت تأمل في الاستفادة من هذه البرامج في موقف أكثر صعوبة.
صندوق النقد يرى أن مثل هذه المبادرات، رغم أهميتها، تشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الدولة وتساهم في زيادة العجز الحكومي.
لكن من وجهة نظر المستفيدين المحتملين، كان هذا الدعم هو السبيل الوحيد للحصول على سكن ملائم في ظل ارتفاع أسعار العقارات بشكل مستمر.
بين المنحة والمعاناة
من الواضح أن مبادرات التمويل العقاري كانت تُطرح كمنحة حكومية، لكنها في الواقع كانت تحمل في طياتها شروطًا تجعلها بعيدة المنال عن الطبقات الفقيرة.
ورغم أن الانتقال لوزارة المالية قد يكون ضروريًا لضبط الإنفاق الحكومي وفقًا لشروط صندوق النقد الدولي، إلا أن هذا الانتقال يثير القلق حول استمرارية المبادرات بشكل يخدم فعليًا جميع طبقات المجتمع، وليس فقط الفئات القادرة على تلبية الشروط الصارمة.
يقول الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح أن مبادرات التمويل العقاري مبادرات جيدة جدا ولكن لا يستفيد منها إلا من ينطبق عليهم شروط التمويل العقاري.
وأضاف في تصريحات لـ المصير : كل المبادرات انتقلت لوزارة المالية، ما عدا مبادرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ما زالت في البنوك.
وتابع أبو الفتوح تمويل القطاع العقاري يقصد به شركات المطورين الكبار، وشركات المقاولات الكبيرة، ولكن الفائدة المخفضة في مبادرات التمويل العقاري يتحملها إما البنك المركزي أو وزارة المالية، وهناك اسكان شباب واسكان تعاوني، وهذه مبادرات جيدة وقسطها الشهري بسيط، يتحملها الشباب.
في النهاية، يظل السؤال الأساسي بلا إجابة شافية.
هل كان الهدف من هذه المبادرات دعم الفقراء حقًا، أم كانت مجرد واجهة لسياسات تستفيد منها فئة محدودة من المصريين؟