رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

مختار محمود يكتب: الصحة النفسية في مكان العمل

المصير

الخميس, 10 أكتوبر, 2024

05:34 م

يحتفل العالم في مثل هذا اليوم من كل عام بـ"اليوم العالمي للصحة النفسية". تهدف منظمة الصحة العالمية في هذه المناسبة إلى إتاحة الفرصة لإذكاء الوعي بقضايا الصحة النفسية، وهي كثيرة ومتعددة. المنظمة ترفع هذا العام شعار: "الصحة النفسية في مكان العمل". وقالت المنظمة عبر موقعها الرسمي بالشبكة العنكبوتية: "في اليوم العالمي للصحة النفسية لهذا العام، سنبذل مع شركائنا جهودًا متضافرة لإبراز الصلة الجوهرية بين الصحة النفسية والعمل". تؤمن المنظمة بأن بيئات العمل الآمنة والصحية تتيح عامل وقاية للصحة النفسية، وفي المقابل، يمكن أن تشكل الظروف غير الصحية -التي تشمل الوصم والتمييز والتعرض لمخاطر من قبيل التحرش وظروف العمل المتردية الأخرى- مخاطر جمَّة تؤثر على الصحة النفسية ونوعية الحياة بشكل عام، ومن ثمَّ على المشاركة أو الإنتاجية في العمل. 

تُجزم المنظمة الأممية بأنه "من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة تهيئ بيئة عمل تكفل الوقاية من مخاطر اعتلالات الصحة النفسية وحماية ودعم الصحة النفسية في العمل؛ من أجل مستقبل أوفر صحة"، منوهة في هذا السياق إلى أن 60٪ من سكان العالم على الأقل يمارسون عملا، وهو ما يتطلب من الحكومات وأرباب العمل توفير الحد الأدنى من الصحة النفسية لهم؛ من أجل مصلحة العمل وازدهاره، ومن أجل سلامتهم النفسية التي تكمنهم من العمل في أجواء ملائمة.

لا خلاف على أن بيئة العمل الداعمة تعزز الصحة النفسية وتمنح الحافز والاستقرار. وخلافا لذلك، يمكن أن يضر تردي ظروف العمل بالصحة النفسية، مما يُحدُّ من الرضا الوظيفي والعطاء، وقد يترتب على ذلك مشاكل كبيرة تصل أحيانًا إلى الاكتئاب الشديد وأحيانًا الانتحار واقتراف جرائم. السنوات الأخيرة شهدت طفرة من الحالات المعقدة والصعبة في قطاعات حكومية وغير حكومية؛ بسبب غياب الصحة النفسية، قادت أصحابها إلى إنهاء حياتهم.

بعيدًا عن النظرة المثالية الحالمة لمنظمة الصحة العالمية..فإن كثيرًا من أماكن العمل في مصر تحول من بيئة صالحة للتعايش والعمل والعطاء إلى مراكز للصراعات والمؤامرات والحروب؛ وذلك لأسباب مختلفة من بينها: تغييب معايير العدالة والنزاهة والشفافية والمصداقية، وتغليب أساليب المكر والخداع واللؤم و"شغل التلات ورقات" و"دق الأسافين"! وهنا تحديدًا يمكن أن يُقال كلام كثير، وتُروى روايات مؤسفة عديدة، أبطالها من زملاء العمل. في مؤسسة دينية معتبرة، تنازع شخصان على وظيفة أعلى، فحرَّض كل منهم على الآخر امرأة لتجريسه! هذه أساليب متبعة في أماكن العمل، تؤججها نفوس جُبلت على الشر والكراهية والطمع!

 يعمد أصحاب العمل في مصر غالبًا إلى اتباع أساليب غير شريفة في إدارة أعمالهم ومرؤوسيهم؛ وهو ما يتسبب في شيوع حالات من الإحباط تقود في النهاية إلى التأثير السلبي على الصحة النفسية للعاملين، ومن ثم التأثير السييء على المنظومة ككل. الحكومة والقطاع الخاص في مصر غير مشغولين بالصحة النفسية للعاملين لديهما من قريب أو بعيد؛ ظنًا منهما أن هذا رفاهية مفرطة، رافعين شعار: "اللي عاجبه الكحل يكحل، واللي مش عاجبه يرحل"! 

ترى "الصحة العالمية" أنه "ينبغي على الحكومات وأرباب العمل والمنظمات المعنية التعاون لوضع سياسات تقي من مخاطر الصحة النفسية، وتعزز الرفاه، وتهيئ أماكن عمل داعمة تعطى فيها الأولوية للصحة النفسية"، كما تنصح العامل بضرورة تعلّم تقنيات إدارة الإجهاد والانتباه للتغيرات التي تطرأ على صحته النفسية. 

وإنسانيًا..يتعرض العاملون لمخاطر مختلفة تؤثر على صحتهم النفسية من قبيل التمييز أو تردي ظروف العمل أو محدودية الاستقلالية. وغالبًا ما يكون العاملون في الوظائف المتدنية الأجر أو غير المأمونة أكثر عُرضة للمخاطر النفسية والاجتماعية؛ بسبب الافتقار إلى قدر كافٍ من تدابير الحماية، وهو ما يتطلب ممن يعلوهم اجتماعيًا التعامل معهم بأسلوب راقٍ، لا تشوبه العنجهية ولا يكتنفه القهر!

وإجمالاً..فإن تردي الصحة النفسية في مكان العمل يُحدُّ من الأداء، ويزيد من التغيب، ويشجع على تبدل الموظفين. وعالميًا.. يؤدي الاكتئاب والقلق إلى فقدان نحو 12 مليار يوم عمل كل عام، وتنجم عنهما تكاليف اجتماعية واقتصادية باهظة، وهو ما يعكس فداحة إهمال هذا الملف الحيوي المهم جدًا. الصحة النفسية قد تتقدم على الصحة العضوية، فالأخيرة يمكن محاصرتها بالأدوية والعقاقير الطبية، أمَّا الأولى..فإن خسائرها باهظة ومدوية.