كتبت- أسماء مدحت
ليست مجرد حرب أو عدوان، بل تعدت ذلك إلى كونها جريمة حرب وعملية إبادة جماعية لسكان غزة، أكثر من 17 ألف شهيد 70% منهم من النساء والأطفال، قصف متواصل همجي طال البشر والحجر ودمر ما يقرب من 130 مؤسسة صحية في القطاع وحول 20% من مساجدها ودور عبادتها إلى ركام، دماء وأشلاء تناثرت في ربوع المستشفيات والكنائس والمساجد، وآلاف من المفقودين دُفنوا أحياءً تحت أنقاض مباني غزة التي تحول ما يقرب من 60% منها إلى أطلال.
حول الاحتلال الإسرائيلي بمجازره غزة إلى مدينة أشباح، وحولت في المقابل تلك الكارثة الإنسانية مواقف بعض المطبعين في مصر؛ فراجعوا أنفسهم وتابوا عما اقترفوه من إثم وسارعوا إلى الاعتذار، وهو ما أعلنه الدكتور أسامة الغزالي حرب، أستاذ العلوم السياسية والكاتب الصحفي، عندما خرج في خطوة غير مسبوقة معتذرًا عن موقفه السابق المؤيد للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، حيث أعرب الغزالي في مقال نشره في جريدة الأهرام تحت عنوان "اعتذار"، عن الموقف الذي اتخذه، بعد نصف قرن من العمل البحثي والصحفي والزيارات الميدانية، في إطار دراسته وتحليله للصراع العربي الإسرائيلي.
فاجأ الدكتور أسامة القراء في مقاله الذي نُشِر في الـ19 من نوفمبر الماضي، وهو تاريخ زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977، حيث تأثر بشدة بوحشية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين الأبرياء.
البداية كانت مع جماعة كوبنهاجن عام 1997 عندما صدر إعلان كوبنهاجن حيث توهمت تلك الجماعة بأنها ستحقق السلام العادل بشأن إنشاء التحالف الدولي من أجل السلام العربي الإسرائيلي، بمشاركة تسعة مصريين منهم: لطفي الخولي ومراد وهبة وعبد المنعم سعيد وعلي الشلقاني وصلاح بسيوني، ومن إسرائيل: ديفيد كمحي وشلومو بن عامي ومن فلسطين، مروان البرغوثي ورياض المالكي وسِري نسيبة ومن الأردن عدنان عودة، ثم انضم إلى من سبق ذكرهم من مصر د. حرب وعلي سالم ود. سعد الدين إبراهيم وغيرهم.
اعتذار الغزالي ليس نهاية القصة، بل هو بداية لمرحلة جديدة من التفكير في التوبة الصادقة، فهل يفتح أسامة الغزالي القوس لمن تبقى من الداعين إلى التطبيع كي ينضموا إلى طابور المعتذرين ويتوبوا على غراره أو يصرون على موقفهم التطبيعي ويحمِّلون المقاومة مسئولية الكارثة مثلما فعل المفكر السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد؟
* جمال زهران: يده ملطخة بالدم
وفي هذا السياق تحدث الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية والبرلماني السابق، عن اعتذار أسامة الغزالي بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، مشيرًا إلى أن قبول الاعتذار يخص الرأي العام، وأنه يجب على الغزالي أن يوضح موقفه الحالي والمستقبلي من القضية الفلسطينية؛ لكي يتم قبول اعتذاره.
وقال في تصريح خاص لـ«المصير» متعجبًا: "هل جاء اعتذر الغزالي بعد رؤيته لبعض الدماء؟ ألم يكن الدم موجودًا عندما زار إسرائيل ووافق على اتفاقيات كوبنهاجن وكامب ديفيد؟!"، لافتًا إلى أن الغزالي استفاد شخصيًّا وعائليًّا من هذا الانتماء الصهيوني، وكان يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية وكان شريكًا في التلطيخ بالدم، وفي آخر اجتماع للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، انتقد الغزالي قرار الجمعية برفض التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي يجب أن يتنازل عن كل ما استفاده من هذا الانتماء ليتم قبول اعتذاره.
وعبر زهران عن استغرابه من كيفية عدم إدراك أسامة الغزالي لحقائق القضية الفلسطينية، خاصة وأنه يشغل منصب أستاذ وباحث في علوم السياسة، متسائلًا، ماذا سيترك للمواطن المصري العادي إذا كان الغزالي لا يدرك هذه الحقائق؟!
وعن إمكانية توبة عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ، عن التطبيع قال زهران إن عبدالمنعم أعلن عن تمسكه بالتطبيع مع الكيان الصهيوني خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق، ولن يقوم بتغيير مواقفه السياسية.
* يحيى قلاش: صحوة ضمير متأخرة
من جانبه قال يحيى قلاش، النقيب السابق للصحفيين، إن نقابة الصحفيين تقف بكل حزم ضد التطبيع والصحفيين المطبعين وإنها بقرارات جمعيتها العمومية كانت من أوائل النقابات المهنية المناهضة للتطبيع، مؤكدًا أنه ضد التطبيع، وأن التطبيع مرفوض ولا ينبغي أن يكون جهة نظر شخصية لكل صحفي، وأن اعتذار أسامة الغزالي جاء في غير وقته المناسب ومع ذلك، اعتبر أن الاعتذار المتأخر أفضل من عدم الاعتذار على الإطلاق.
وأشار في تصريح خاص لـ«المصير» إلى أن تراجع أسامة الغزالي عن موقفه يعزز تأكيد حقائق الصراع الصهيوني على غزة، لافتًا إلى أن الاعتذار من الناحية الأدبية أمر مهم ومحبب، وأنه ينبغي لنا اكتساب ثقافة الاعتذار نظرًا لندرتها.
وأعرب عن استيائه من أن أكاديميًّا وباحثًا مثل أسامة الغزالي لم يكن مدركًا لهذه المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني ليعتذر عن التطبيع، وأنه من المفترض أن يكون لديه القدرة على معرفة العدو، وألا تغيب عنه حقائق هذا الصراع وأن تكون صحوة الضمير الذي عبر عنها باعتذاره مبكرة.
وأضاف قلاش أن أي شخص ما زال لديه نوايا للتطبيع ملزم بأن يعتذر أولاً لنفسه، ثم لكل الدماء التي سُفكت، وأنه لا يتوقع من المتصهينين تقديم اعتذارهم، حيث تكون مصالحهم أقوى من ضمائرهم، مشددًا على أنه تنبغي معرفة أن أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا موجدون في غرفة عمليات إدارة الحرب الإسرائيلية.
* عمار علي حسن: موقف مشرف يُقتدى به
ومن جانبه، وصف المفكر السياسي عمار علي حسن، الدكتور أسامة الغزالي، بأنه رجل متسق مع نفسه ورقيق المشاعر، ويتمتع برأي مستقل إلى حدٍّ كبير، وكان يرى أن التواصل مع الإسرائيليين يمكن أن يكون مفيدًا للقضايا العربية، معتبرًا أن موقف اعتذاره هو موقف مشرف يضيف إلى سجله في العمل السياسي والفكري.
وأشار حسن في تصريحات خاصة لـ"المصير" إلى أن أسامة الغزالي يجب أن يكون قدوة لجميع الداعين إلى الاعتماد على إمكانية أن تكون إسرائيل جادة في تحقيق السلام مع العرب، مؤكدًا أن الحقيقة هي أن إسرائيل لا ترغب في التطبيع، حيث تُعتبر كيانًا لا يستطيع العيش دون حرب دائمة.
وأشاد حسن بقرارات أسامة الغزالي في بعض المواقف، مثل قراره بالانسحاب من مجلس الشورى اعتراضًا على تعديل المادة 76 من الدستور في عهد الرئيس مبارك، موضحًا أنه في تلك الفترة دفع ثمنًا باهظًا من حيث الجوانب المالية والمناصب وتشويه سمعته.