رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

سامح لاشين يكتب : مأساة مصر بين "فاروق".. و"ناصر "

المصير

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024

08:20 م

خدعوك فقالوا أنها ثورة للفقراء فلم يغتنوا
خدعوك فقالوا إنها ثورة الحرية فلبثنا في خوف 
خدعوك فقالوا أنها ثورة الاستقلال الوطني فوقعنا في تبعية مزدوجة 
مصر دولة  لم تقم فيها ثورات   أو حركات إصلاحية و كُتب لها النجاح  لأن أنظمتها التاريخية والحاضرة  على إيمان كامل أنهم حققوا المعجزات وليس هذا فحسب بل تتجمع كل القوى المضادة للتغيير وتقف حائلا أمام تحقيق قيم الحرية والعدالة والمساواة  . 
و في كل عام يتجدد فيه الاحتفال  بيوليو يتجدد معه التراشق بين طرفين طرف يرى أن مصر الملكية أفضل بكثير وطرف آخر يرى أن مصر ولدت من جديد مع يوليو  وينكرون أن مصر عاشت مأساة مع فاروق ، وناصر  وأن كلاهما لم يحققا أحلام العدالة والحرية والمساواة وإن كان الأخير استخدمها في خطابته  . 
ومأساة مصر أنها لم تكن في العهد الملكي فردوسا أرضيا ولم يستطع عبد الناصر أن يحولها لفردوس أرضي كلاهما يبالغان في الصورة الحقيقية التي كانت تعيش عليها مصر ، وكلاهما يلجأ للمبالغة لطمس الصورة الحقيقية. 
المصريون في العهد الملكي عانوا استبدادا ثلاثيا الاحتلال الإنجليزي ونفوذه وتوغله ، والقصر ، وكبار الملاك هذا الاستبداد الثلاثي حرم أهل مصر من الحرية الحقيقية وفرغ الديمقراطية الحقيقية من محتواها ، وزادت الفوارق الطبقية بشكل مخيف فطبقة كبار الملاك والقصر عملا معا على إعاقة تحقيق أي عدالة إجتماعية خلافا أن الاقتصاد كله يدور في دوامات التبعية والتوجيه لصالح الاستعمار  وكان يغدق فقرا . 
وفي عهد ناصر الذي استبدل الحرية السياسية بالاجتماعية كما عرف الحرية في خطبه فلم يحقق السياسية .. ولا الاجتماعية  ، وصنع نظاما شموليا خاليا من الحريات ذات تنظيما واحدا متصورا أنه تنظيما تنصهر فيه كل القوى و أن الكل لابد أن  يعزف على نفس الوتر إلا أنه نشب بداخله صراع أجنحة أشد من تناحر الأحزاب في العهد الملكي ولم يقض على قوى الرجعية كما تصور ، وأمم القلم وأصبحت مانشيتات الصحف كلها تتكلم عن عصر المعجزات والحقيقة أنه كان عصر الخوف مثل عصر فاروق  إلى أن استيقظنا على كارثة احتلال جديدة لشبه جزيرة سيناء   . 
و في عهد الملك فاروق كان يعيش أربعة ملايين من المصريين دخل الفرد الواحد لا يزيد عن جنيه في الشهر هذا ما كتبه محمد سعيد مدير عام مصلحة الجمارك عام ١٩٤٦ في مقال يحمل عنوانا " نصف سكان مصر يعيشون عيشة البهائم " والذي أكد فيه أن ٥ ملايين يعيش كل منهم على إيراد لا يزيد عن جنيهين ، و إنه لكي نضمن عيشة الكفاف للطبقات الفقيرة ، وافترضنا أن الحد الأدنى لعيشة أسرة تتألف من رجل وأمرأة وولدين هو ١٠ جنيهات شهريا في الريف ، و ١٥ جنيها في المدن ، وليس جنيها أو جنيهين ، بالإضافة أنه كان هناك مشروع قانون لتحديد الملكية تقدم به النائب محمد خطاب عضو مجلس الشيوخ يقضي بعدم مصادرة الأراضي ، وإنما يلزم الملاك بعدم شراء اراضي جديدة ويترك الملكية للأرض تتفتت بالوراثة حتى يصل الحد الأعلى إلى ٥٠ فدانا وبالرغم أنه مشروع معتدل إلا أن المعارضة الضارية  لطبقة كبار الملاك أسقطت مشروع القانون . 
أما يوليو عندما شرعت في الإصلاح الزراعي كان الهدف الرئيسي هي إقصاء طبقة كبار الملاك ونفوذها من السلطة والحكم واستبدالها بالبورجوازية الصغيرة الطبقة التي تنتمي إليها الضباط الأحرار  ، وأن حصاد تجربة الإصلاح الزراعي  في مجال الملكيات الزراعية هو ضرب الاقطاعيين ونمو طبقة أغنياء الفلاحيين الذين شكلوا قوة ضاغطة عزلت جماهير الفلاحين  البسطاء وأتيحت لهم دخول مجلس الأمة وخاصة بعد دستور ١٩٦٤ الذي نص على تمثيل العمال والفلاحين بنسبة ٥٠٪؜ ونص في الوقت ذاته على تعريف للفلاح يسمح له بملكية ٢٥ فدانا الأمر الذي أتاح لطبقة أغنياء الفلاحين السيطرة السياسية والاجتماعية في الريف ، وعدم حدوث أي تغيير حقيقي لعمال الزراعة والتراحيل الذين لم يستفيدوا بشكل أساسي من توزيع أراضي الإصلاح الزراعي بل أن مشكلتهم زادت منذ منتصف الستينات. 
أما العمال ففي نهايات حكم فاروق زاد حكم الإضرابات العمالية بصورة كبيرة ووصلت لذروتها من سبتمبر ١٩٤٧ عندما أضرب عمال شركة الغزل والنسيج بالمحلة البالغ عددهم ٢٦٠٠ عامل ، وأطلق البوليس عليهم الرصاص فقتل أربعة وأصاب ٢٠٠ وتم استدعاء الجيش وحاصر المصنع وتوالت الإضرابات في مصر الملكية كرد فعل على الأزمة الاقتصادية الخانقة والتفاوت الطبقي الصارخ ووصل الحد الأقصى للإضراب في المستشفيات و التي سجلت ٢٠٠ اضرابا بحلول عام ١٩٥١ . 
في مصر ناصر و إن تم إصدار قانون بعدم الفصل التعسفي للعمال إلا أننا نجد أن الثورة لم تسمح لهم بأي شكل من أشكال الحرية وتعرضوا لحملة ضارية باعتبارهم أنهم السبب الرئيسي في تخلف الانتاج تلك الحملة التي انبثقت من بعض الإداريين والتكنوقراط ليغطوا بها على فسادهم الذي أدى لتراجع الانتاج ، أما الاتحادات والنقابات فسيطر عليها فئة محدودة كانت جسرا عازلا بينهم وبين السلطة . 
وكانت المفاجأة في ١٩٦٨ عندما انطلقت الشرارة الأولى للمظاهرات اعتراضا على الطريقة المسرحية لمحاكمة جنرالات الهزيمة كانت من عمال حلوان وامتدت للطلبة مما جعل عبد الناصر يصب جم غضبه على الرجعية أنها حرضت من أجل اندلاع الفوضى والمظاهرات ، فهو ذاته الذي قال كان فيه ١٠-١٢ مليونير .. أصبحوا حوالي ٣٠٠-٤٠٠ مليونير .. البورجوازية اتسعت قاعدتها ولابد من ضربها قال ذلك في حوار مع وزراء سوريين إذا القرارات الثورية عفوا الفوقية لم تنتج تغييرا بل أتت بنتائج عكسية لأنها فوقيه ولا تنبع من تحولات إجتماعية حقيقية   . 
إن كان في عهد الملك فاروق رأسمالية كبار الملاك أحالت دون قيام العدالة فإن رأسمالية الدولة والبورجوازية الصغيرة  في عهد ناصر أحالت دون قيام العدالة .. ولم يكن التأميم اشتراكية كما صوروا بل هي قرارات فوقية استيقظ عليها أهل مصر دون أن يكون هناك تفاعل اجتماعي حقيقي تمخض عنه هذه الأفكار سوى أن هذا ما كان يدور في عقل ناصر ولابد أن يحظى بتهليل الجماهير  . 
أما التعليم فالكل لا بد أن يعلم جيدا أن المجانية لم تكن مصدرها يوليو مجانية التعليم الابتدائي مع حكومة الوفد ١٩٤٢ ومجانية التعليم الثانوي مع حكومة الوفد في ١٩٥٢ .
وفي الهزيمة مصر منيت بهزيمة مرتين مرة في عهد الملك فاروق ١٩٤٨ والآخرى في عهد ناصر ١٩٦٧  والسؤال لماذا نتبارى وخاصة أن مصر عاشت مأساة في العهد الملكي  و مع أول رئيس في العصر الجمهوري الممتد إلى يومنا ؟! 
أما عن الاستقلال الوطني فإذا كنا خرجنا من الاحتلال البريطاني لمصر فإننا دخلنا عصرا نبحث فيه عن مكان بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وفي الوقت الذي كنا من مصاف دول عدم الانحياز إلا أن تمويلاتنا وقروضنا إما من الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الأمريكية واحيانا ألمانيا الشرقية والصين فكانت التبعية مزدوجة. 
إنني أردت أن أقول أن الاسباب التي قامت من أجلها ٢٣ يوليو ١٩٥٢  لم يتحقق منها شئ وأن الشعارات التي رُددت في الخطب كانت ثورة كلمات أما الواقع فكان شيئا آخر .