المصير
أثرت قرارات تعويم الجنيه المتتالية على جميع قطاعات الدولة بما فيها قطاع التأمين، وتواجه شركات التأمين العالمية التي تتواجد في الأسواق المحلية بتحديات كبيرة بسبب الدولار مثلما شهدناه مع شركة "آس لايف لتأمينات الحياة" في مصر، والتي تحولت إلى "تشب" الأمريكية بعد استحواذ الأخيرة عليها.
كانت هذه الشركة، مثل غيرها من الشركات الدولية، قد أسست فرعًا محليًا بدلاً من فتح فرع مباشر من الشركة الأم، وذلك لتجنب توسيع نطاق خسائرها إلى ما يتجاوز رأس مالها المحلي.
عند النظر إلى بعض النماذج الأخرى التي وقعت في نفس الفخ، نجد أن شركة "منشستر" البريطانية للتأمين و"ميرسر" الأمريكية قد عانت من مشاكل مشابهة، حيث تسببت التغيرات الكبيرة في أسعار صرف العملات في إلحاق أضرار جسيمة بالمستثمرين والعملاء، مما أثر بشكل مباشر على قيمة مستحقاتهم وحصصهم الاستثمارية.
في حالة "آس لايف"، تم تسويق الوثائق الدولارية على أنها استثمار ممتاز للمستقبل، حيث كان بإمكان المستثمرين الحصول على مبلغ تأميني قدره 50,000 دولار أمريكي مقابل قسط سنوي قدره 12,300 جنيه مصري. لكن بعد مرور سنوات عديدة، ومع الارتفاع الهائل في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، الذي شهد قفزات كبيرة نتيجة قرار تعويم الجنيه، تفاجأ حملة الوثائق بخطابات من الشركة تقدم لهم ثلاث خيارات محبطة:
1. تحويل الوثيقة إلى وثيقة بالجنيه المصري.
2. قبول مبلغ تأميني قدره 6,000 دولار بدلاً من 50,000 دولار.
3. دفع قسط سنوي قدره 230,000 جنيه بدلاً من 12,300 جنيه.
ولم يكن ذلك مفاجئاً فقط للمستفيدين، بل لم يكن هناك أي بديل عادل لمشكلاتهم. عند محاولة إلغاء الوثيقة، وجدوا أن صندوق الاستثمار الخاص بهم يساوي صفر، ما يعني أنهم سيخسرون جميع أموالهم.
خلفية الوضع الاقتصادي في مصر تسلط الضوء على الآثار السلبية لتعويم الجنيه وتأثيره على الاستثمارات. منذ قرار تعويم الجنيه، شهد الدولار الأمريكي زيادة هائلة في قيمته مقابل الجنيه المصري، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات والسلع الأساسية، وأثر سلباً على قدرة الأفراد والشركات على إدارة تكاليفهم بفعالية. هذا الارتفاع لم يكن متوقعاً على الإطلاق من قبل العديد من المستثمرين، مما زاد من تعقيد المشهد المالي.
قد يكون لهذه القضية تأثير كبير ، خاصة وأن الكثير من حملة الوثائق من كبار السن الذين لا يمتلكون القدرة الكافية على الاستمرار في النضال لاسترداد حقوقهم.
إن فقدان وثائق تأمينية تم تسويقها كاستثمار آمن للمستقبل يعكس حالة من الإهمال والغطرسة من الشركات التي تستغل الظروف الاقتصادية لصالحها.
القضية ليست مجرد مسألة فردية، بل هي قضية رأي عام تتطلب تحقيقاً شفافاً ومساءلة حقيقية للشركات والمؤسسات التي تسيء استخدام أوضاعها المالية.
يجب على الحكومة والجهات الرقابية التدخل لضمان حماية حقوق المواطنين والتأكد من عدم تكرار مثل هذه الممارسات في المستقبل.