بدأت الجولة الأخيرة من مفاوضات "طوفان الأقصى" في 15 أغسطس الماضي، ضمن سلسلة طويلة من المفاوضات غير المباشرة، التي بدأت بعد طوفان الأقصى بين حماس والكيان الصهيوني، والتي كانت تتم بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية.
وقد بدأت محاولات المفاوضات بعد عملية طوفان الأقصى، التي شنتها حركات المقاومة في غزة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام وحركة الجهاد وسرايا القدس تحت قيادة حماس، والتي جاءت رداً على انتهاكات الكيان الصهيوني المتكررة للمسجد الأقصى وتدنيسه.
وقد حذرت حركة حماس الكيان الصهيوني من أن سياسة العربدة التي تقوم بها في الأقصى ستؤدي إلى نتائج وخيمة عليها. وقد صدَقَت حماس وقامت بأكبر عملية هجوم عسكري على الكيان الصهيوني في صباح 7 أكتوبر 2023، حيث قامت عبر ذراعها العسكري كتائب عز الدين القسام ومن معهم من باقي كتائب المقاومة الفلسطينية بالهجوم على مستوطنات غلاف غزة، واستطاعت أسر أكثر من 230 أسيرًا عسكريًا ومدنيًا، كما قامت بالهجوم على مبنى الشاباك، وقامت بالاستيلاء على الكثير من السيرفرات والأوراق والمستندات داخله، كما قامت بالهجوم على مبنى الوحدة 8200 وقامت أيضًا بالاستيلاء على محتوياته من السيرفرات والمستندات وغيرها من الأجهزة، والتي لعبت دورًا كبيرًا في كشف الكثير من شبكات التجسس، والتي كانت تكمن داخل قطاع غزة، وفي الجنوب اللبناني، وأيضًا في إيران. وفي أعقاب هذه العملية الكبرى، قام الكيان الصهيوني بعمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة، من قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس والجامعات وجميع البنى التحتية، كما قام بعمليات غزو بري لشمال القطاع وجنوبه ووسطه، وقد كانت المقاومة في انتظاره، تكبده كل يوم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
إلا أنه بعد إتمام هذه العملية وتداعياتها، قامت كل من مصر وقطر بمحاولة الوصول إلى وقف إطلاق النار، ولكن مفاوضات الوقف الدائم لإطلاق النار قد فشلت. وقد كانت هذه الأطراف قد نجحت من قبل في إقامة هدنة مؤقتة في نوفمبر 2023 لمدة 6 أسابيع، تُفرج فيها حماس عن الأسرى المدنيين من النساء والأطفال وعددهم 80 مقابل الإفراج عن 240 أسيرًا فلسطينيًا. وبعدها استأنف الكيان الصهيوني حرب الإبادة مرة أخرى، إلا أن الحرب أصبحت لا تأتي بنتائجها المرجوة للكيان. فقد كانت أهم أهداف الحرب للكيان الصهيوني هو القضاء على حماس وتحرير باقي الأسرى بالقوة العسكرية، وقد فشل الكيان في تحقيق هذه الأهداف. فبدأت الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني تهتز، وقامت المظاهرات في كل أنحاء الكيان بشكل متكرر تطالب نتنياهو باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في أسرع وقت، إلا أنه في كل جولة مفاوضات، تفشل بسبب مماطلة نتنياهو ووضعه لشروط جديدة لا تقبل بها المقاومة. فالمقاومة هدفها واضح، وهو الانسحاب من كامل القطاع ووقف دائم لإطلاق النار، بينما يرفض نتنياهو ويصر على البقاء في محور فيلادلفيا وصلاح الدين واستئناف الحرب بعد تبادل الأسرى، وهو ما ترفضه حماس، لأن هذه ورقة قوة لا يمكن أن تفقدها حماس بسهولة ودون مقابل يضمن لها الانتصار في الحرب. حتى قام الكيان الصهيوني في 25 يوليو/تموز الماضي بقتل القيادي بحزب الله الحاج فؤاد شكر في الضاحية في بيروت، وبعدها في 31 يوليو/تموز، قام بإغتيال السيد إسماعيل هنية في طهران، وهو ما يعتبر تعديًا صارخًا على سيادة إيران، وخرقًا لقواعد الاشتباك مع حزب الله بضرب بيروت، بالإضافة لضرب ميناء الحديدة اليمني. مما استدعى استنفارًا كاملاً لمحور المقاومة من أنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان وإيران، وقد توعدوا بالرد على هذه الانتهاكات.
وقد خشت الولايات المتحدة من اشتعال حرب إقليمية فسارعت ببدء جلسة المفاوضات الأخيرة حتى تؤخر رد إيران وأنصار الله باليمن وحزب الله في لبنان، فأصبح محور المقاومة مضطرا لتأخير الضربة بعض الوقت حتى لا يتم اتهامه بإفشال المفاوضات. واستمرت المفاوضات أسبوعًا كاملًا، رفضت فيها حركة حماس بقيادة يحيى السنوار المشاركة فيها إلا إذا وافق الكيان الصهيوني على مبادئ الاتفاق الذي تم صياغته في ضوء مبادرة بايدن قبل 2 يوليو/تموز الماضي، وأصبحت المفاوضات تدور في حلقة مفرغة بين قطر ومصر من جهة والكيان الصهيوني وأمريكا من جهة أخرى. وقام نتنياهو كعادته بوضع عقبات وشروط ترفضها المقاومة حتى يتم إفشال المفاوضات. وحاولت الأطراف الوسيطة جاهدة التوصل إلى وقف إطلاق النار، وقد باءت كل هذه المحاولات بالفشل. حتى عاد وفد المفاوضات "الإسرائيلي" من القاهرة إلى تل أبيب دون الوصول إلى اتفاق، وقد كانت هذه مناورة من أمريكا لمحاولة تأخير رد محور المقاومة. وعاد أيضًا وفد حماس إلى مكانه.
ختامًا، إن المفاوضات السابقة والأخيرة لوقف دائم لإطلاق النار قد فشلت. وقد سبق أن تنبأت بفشلها جميعًا قبل أن تبدأ، لأن نتنياهو ليس من مصلحته السياسية الخاصة وقف الحرب، بل استمرارها وتوسيعها، لأنه متهم بقضايا فساد، وما أن تتوقف الحرب حتى يتم عزله ومحاكمته وسجنه، وهو ما لن يقبله نتنياهو. لذلك فإنه يناور ويعرقل أي مفاوضات، متحججًا بمصلحة الكيان الصهيوني، وهو ما تنفيه الأجهزة الأمنية في الكيان والتي تُفضل إنهاء الحرب بشروط حماس والانسحاب من كامل القطاع بدلاً من الدخول في حرب طويلة الأمد ستكون نتائجها كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي. ولذلك، فما هو الحل؟! فمن وجهة نظري أنه لا جدوى من أي مفاوضات، إلا برحيل نتنياهو أو الانقلاب عليه من داخل الكيان، وهو الأمر الصعب أن يحدث ذلك داخل الكيان الصهيوني. لذا فإنني أرى أن الحرب ستظل مستمرة ما دامت في صالح نتنياهو، وأنه سيسعى قدر الإمكان لتطويل أمدها وعدم توقفها. وربما يأتي الرد الإيراني موجعًا للكيان الصهيوني استكمالًا لرد حزب الله صباح 25 أغسطس/آب، فتشتعل حرب إقليمية كبرى في المنطقة ستكون عواقبها وخيمة على كل الأطراف وخاصة الكيان واقتصاده، وربما يؤدي ذلك إلى انهيار هذا الكيان. ويمكن أن نرى ما سيحدث في الأيام والأسابيع القادمة والتي ستحمل الكثير من المفاجآت والإجابات.
باحث في العلاقات الدولية