لن تطوى صفحة وزير الأوقاف المعزول بإبعاده عن منصبه؛ فإن هناك قصصَا يجب أن تُروى. ولعل من الصفحات السوداء -وما أكثرها- في سجل الوزير المعزول, أزمته مع وزير الأوقاف الأسبق العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق رحمه الله تعالى.
هذه الأزمة -التي افتعلها من جانب واحد، تكشف التركيبة النفسية المعقدة للوزير السابق الذي كاد يفسد على الناس دينهم، كما تعكس الميول الانتقامية التي تسيطر عليه، تجاه كل من يفوقونه علمًا ومكانة وقدرًا وشأنًا.
عندما تم استوزار الوزير المعزول في العام 2013، كان قادمًا من المجهول، فلا هو عالمًا جليلاً، ولا مؤلفًا رصينًا، ولا متحدثًا فصيحًا، ولا أي شيء، مثله كثيرون جدًا، ومن يفوقونه في جامعة الأزهر الشريف علمًا وفصاحة وحضورًا أكثر. كان يشبه حال وزير التربية والتعليم الجديد تقريبًا. ويبدو أنه لم يصدق أنه قد أصبح وزيرًا، فاقترف نقائص لن يمحوها النسيان من الذاكرة اليوم أو غدًا أو بعد غد، وسوف تبقى وصمة لهذه الحقبة الزمنية البائسة.
من بين الصفحات السوداء في مسيرة الوزير المعزول ما يحكيه وزير الأوقاف الأسبق الدكتور محمود حمدي زقزوق في مذكراته التي حملت عنوان: "رحلة حياة". "زقزوق" كشف من الصفحة 189 حتى الصفحة 195، بكلمات تقطر يؤسًا وأسىً، أغرب حالة سطو علمي ومعرفي بالإكراه في التاريخ.
كان "زقزوق" –بحسب ما يروي في مذكراته- أصدر موسوعات إسلامية متخصصة، وترجمة لمعاني القرآن الكريم بسبع لغات أجنبية، وأهدى إحداها للرئيس الأسبق حسني مبارك في مناسبة دينية في العام 2005، ولكن فور استوزار الوزير المخلوع، فإنه استغل نفوذه، ووضع اسمه بديلاً لاسم صاحب الحق الأصلي على هذه الموسوعة وأهداها مجددًا للرئيس السيسي أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في العام 2015،في حضور "زقزوق" نفسه..ما كل هذا الجبروت والتدليس على الرئيس..ألا تستحي يا رجل؟!.
في هذه الواقعة البائسة..كانت الوزيرة السابقة السيدة فايزة أبو النجا تجاور "زقزوق"، فأبدت دهشتها واستغرابها من صنيع الوزير المعزول، وكيف يعيد إهداء موسوعة للرئيس، سبق تقديمها من قبل للرئيس الأسبق مبارك، ولم ينتبها –زقزوق وأبو النجا- يومئذ إلى أن الوزير المعزول كان قد نزع اسم "زقزوق"، ووضع اسمه مكانه!.
في العام ذاته، وأثناء تفقده لجناح المجلس العلى للشؤون الإسلامية بمعرض الكتاب..اكتشف "زقزوق" أن الوزير المُقال فعل فعلته التي فعل، فما كان منه إلا أن أبلغ الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، بهذه السرقة، وأثار بدوره الموضوع في مجمع البحوث الإسلامية، فتظاهر الوزير المعزول بالأسف والأسى والاعتذار ووعد بتصحيح الخطأ، لكنه أصر واستكبر ولم يفعل، بل استصدر في وقت لاحق قرارًا من هيئة الأوقاف بهدم الفيللا الخاصة بـ"زقزوق"، رغم تسديده ثمنها بالكامل..عاد لينتقم!!.
سرد "زقزوق" تفاصيل مأساته مع الوزير المعزول في مذكراته، مدعومة بالمخاطبات التي أرسلها إلى الجهات المختلفة، مختتمًا إياها بـ"الحسبنة عليه وتسليم أمره بالكامل لله في الوزير المعزول، هو يحكم بينهما في الدنيا والآخرة"، في واحدة من أسوأ صور قهر الرجال، وتناقلها الناس، وعلم بها الرأي العام، ورغم ذلك بقي الأخير في منصبه سنين عددًا، وكان حتى آخر لحظة على يقين من أنه سوف يبقى في منصبه -الذي لم يستحقه يومًا واحدًا- سنين أخرى، بل كان يردد في خيلاء ممقوت: إنه سوف يكون آخر وزير للأوقاف!