رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

التاريخ يبكي على جدران مساجد وكنائس غزة

المصير

الثلاثاء, 5 ديسمبر, 2023

07:57 م

لم يراعوا حرمة لنبي واستباحوا قتل الرسل، فهل تراهم يتورعون عن قتل النساء والأطفال، قصفوا المستشفيات والمدارس، فلماذا نتعجب أن يستبيح من خان عهده مع الله بيوته من مساجد وكنائس فيلقي بقنابله وصواريخه عليها ليحيلها إلى أنقاض ويمزق من نزحوا إليها طالبين الأمان إلى أشلاء.
لم تكتف قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوانها الغاشم على قطاع غزة بتدمير المنازل على رؤوس قاطنيها من المدنيين الأبرياء وجلهم من النساء والشيوخ والأطفال، ولم يشبع تعطشها للانتقام ما أراقته من دماء خلال قصفها للمستشفيات ومدارس الأونروا المكدسة بالنازحين، فامتدت بعدوانها الغاشم إلى قصف دور العبادة من مساجد وكنائس فاستهدفت ما يقرب من ٢٠٠ مسجد لتدمر ما يصل إلى ٧٠ منها تدميرا كاملا، وهو ما يمثل ٢٠% من مساجد قطاع غزة، إضافة إلى استهداف الكنائس الثلاث الكبرى بالقطاع، وفقا لآخر التقارير الصادرة عن مركز الإعلام الحكومي بغزة.

ولا يمثل قصف المساجد مستجدا إسرائيليا استحدثته في حربها الأخيرة على غزة، بل هي عادة دأبت عليها قوات الاحتلال في كل عدوان شنته على القطاع، فالمسجد العمُري الكبير أقدم مساجد غزة والذي يعود تاريخ إنشاءه إلى العصر المملوكي، تم قصفه من قبل الطيران الإسرائيلي خلال عدوان ٢٠١٤، وفي 19 نوفمبر 2023 استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية المسجد مَما أدى إلى تدمير أجزاء منه وتحطم مئذنته التي يعود تاريخ بنائها إلى 1400عام. وذلك خلال الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى.
ومن المساجد التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي أيضا خلال الحرب الحالية وكان قد سبق له استهدافها خلال عدوان ٢٠١٤ مسجد عبد الله بن عمر المعروف باسم "جامع السوسي"، والذي بُني عام 1998 وتوسع عبر السنين لتبلغ مساحته 600 متر على طابقين ليحيله القصف الإسرائيلي إلى كومة من الركام.
ولم يسلم أيضا المسجد الخالدي الواقع أمام شاطئ غزة والذي يعد أجمل مساجدها من العدوان حيث تحولت أحجاره القدسية البيضاء وساحته من البلاط الرخامي إلى أطلال بعد تعرضه للقصف والتدمير بشكل كبير في الأسبوع الثاني للحرب.
أما مسجد الأمين محمد والذي يقع في منطقة دوار أبو مازن نسبة إلى منزل الرئيس الفلسطيني محمود عباس فقد قامت الدبابات الإسرائيلية التي وصلت لتلك المنطقة القريبة من بحر غزة في حي تل الهوى، بتدميره بشكل كامل، ولم يبقَ منه سوى مأذنتيه.
ومن أهم المساجد الكبرى بغزة التي دمرها القصف الإسرائيلي الغاشم مسجد الكنز وهو أقدم مسجد يقام في مدينة غزة الجديدة في القرن العشرين في حي الرمال حيث بناه فهمي بك الحسيني في عام 1936، لتقوم الدبابات الإسرائيليه بتحويله لركام، بعد هجومها على مستشفى الشفاء القريب منه.
ومن المساجد الأخرى التي تعرضت للقصف الإسرائيلي المباشر مسجد حمزة بن عبد المطلب في حي الدرج الذي بني عام 1981 ليكون المسجد الرئيسي للحي، ومسجد الكتيبة الخضراء الذي يعتبر أحد أشهر المساجد في قلب غزة لمجاورته لساحة الكتيبة التي تقام فيها سنوياً احتفالات ذكرى انطلاقتي حركة حماس وحركة فتح، وتجاور الساحة جامعتي الأزهر والإسلامية في غزة.
يضاف إلى ذلك مساجد اليرموك والفرقان والسلام والرحمة والشهداء وأبو خضرة والشيخ رضوان والتقوى والفرقان والشيخ عجلين وخليل الوزير وعمار بن ياسر وغيرها العشرات من المساجد والمصليات ودور العبادة.
وقد انتقل الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا وعقب انتهاء الهدنة إلى استهداف مساجد مدينة خان يونس في جنوب القطاع، ومنها مسجدي الرضا في الشرق، والأمين في الغرب.
ولم تقتصر دولة الاحتلال في عدوانها على دور العبادة في غزة على المساجد فقط، فقد أبت بانتقامها الهمجي، إلا أن توحد بين سكان غزة مسلمين ومسيحيين فقصفت كنائس غزة الكبرى التي نزح إليها الألاف من سكان القطاع ظنا منهم أن كونها دور عبادة مسيحية ربما يجعلها آمنة بحماية أوروبا المسيحية ودول الغرب.
ولم تسلم كنائس غزة الثلاث، القديس بورفيريوس، ودير اللاتين، والمعمداني من الاستهداف الإسرإئيلي حيث تعرضت كنيسة القديس بورفيريوس والتي تعد واحدة من أقدم كنائس الروم الأرثوذكس، وقد بُنيت على الطِّراز البيزنطي في بداية القرن الخامس الميلادي لضربة صاروخية، قصفت أحد مبانيها وأوقعت مجزرة في صفوف النازحين المحتمين بها.
كما استهدفت الطائرات الإسرائيلية كنيسة غزة المعمدانية، والمستشفى المعمداني التابع لها في مجزرة أودت بحياة المئات، كما لم تسلم كنيسة دير اللاتين من بعض القذائف المتناثرة خلال استهداف طائرات الاحتلال للمنطقة المحيطة.
ورغم بشاعة المذابح وهمجية الانتقام فلم ينجح العدو الإسرائيلي في بث رسالة مفادها أنه لا مكان آمن في غزة ولا ملاذ أمام أهلها للاحتماء حتى في بيوت الله، حيث أتاه الرد سريعا بأذان يرفعه شاب مقاوم من على أنقاض مئذنة مسجد مدمر، أو أجراس تقرع في كنائس غزة المكدسة بألاف النازحين، ليؤكد له بأن صاحب الأرض باق فيها حتى الشهادة، وأن بيوت الله ليست هي الحجر والجدران بقدر ما هي قلوب المقاومين المؤمنين بحقهم في الحياة.