الآن..وجبت يا
وزير الأوقاف قبل أي وقت مضى، مارِس صلاحياتك التي يمنحها لك القانون، وأصدِر
قرارًا عاجلاً بحل مجلس إدارة نقابة مُحفظي وقراء القرآن الكريم. لقد بلغ السيل
الزُّبي –كما تقول العرب، واتسع الخرق على الراقع، وفقدَ المجلس الحالي مشروعية
بقائه يومًا واحدًا.
ما هكذا تورد الإبل يا دكتور "أسامة"، هناك أمور
أعظم شأنًا من استقبال نقيب الممثلين وغيره، دعك من البحث عن دوائر الضوء؛ فأنت
أكبر من ذلك كله، ولعلك شبعت منه كثيرًا خلال السنوات الخوالي. إصلاح البيت من
الداخل أولى وأهم. نقابة محفظي وقراء القرآن الكريم إحدى هذه الركائز.
النقابة غدت
أشبه ببيت العنكبوت، وإن أوهن البيوت لبيتُ العنكبوت. قصَّرت النقابة –بتشكيلها
الحالي- في جميع مهامها التي أسندها إليها قانون إنشائها، وانشغل المجلس الحالي
بالبحث عن مصالح ذاتية ورخيصة جدًا.
إن يتبع مجلس النقابة الحالي إلا هواه فقط،
حيث يدهس مواد القانون واحدة تلو الأخرى، لا سيما المادة الرابعة، التي تحدد على
سبيل الحصر، أهداف إنشاء النقابة؛ فلا هي نهضت بمستوى حفظ وتعليم القرآن الكريم،
ولا هي نشرت الدعوة إلى تحفيظ القرآن الكريم وأحكام تلاوته، ولا هي حافظت على
التراث الإسلامي في أحكام تلاوة القرآن الكريم، ولا هي التزمت بقواعده الشرعية
المقررة في علوم القراءات، ولا هي أبلغت الجهات المختصة بمخالفة أحكام التلاوة إلا
في حالات القراء المغمورين جدًا، ولا هي اضطلعت بتنشيط الدراسات الدينية المتصلة
بالقراءات وتشجيع القائمين بها ورفع المستوى العلمي لأعضائها! كيف يقود مثل هذه
النقابة العريقة مجلسٌ هزيلٌ يتحكم فيه قارئان غير إذاعيين، أحدهما خامل الذكر، ضعيف الأثر والتأثير، والثاني لا
يحفظ قرآنًا ولا يقيم أحكامًا، ويتلو كلام الله بشكل هزلي أراجوزي يثير الغثيان
والضحك معًا.
هل تعلم -معالي الوزير- أن عديدًا من نقباء المحافظات –مثلاً-
استصدروا كارنيهات عضوية للسماسرة والفراشين بالأقاليم؛ من باب": "الشيء
لزوم الشيء"؟! ألا يكفي مثل هذا الأمر الشائن –وحدَه- سببًا للنظر في أمر هذا
المجلس وحلِّه واتخاذ جميع القرارات والتدابير القانونية الواجبة بشأنه، كلٌّ بقدر
جُرمه وتقصيره واستغلال نفوذه؟! لقد فقدت دولة التلاوة المصرية تحت مظلة مجلس
النقابة الحالي كثيرًا جدًا من بريقها ومجدها وتاريخها. تلك حقيقة لا ينكرها سوى
مُلفق، ولا يغفلها سوى مُدلس. قراء مصر أصبحوا مثيرين للشفقة والغضب والحزن والجدل.
أعلمُ –معاليَ الوزير- أنك ناشط فيسبوكيًا؛ ولذلك فلا ضير من مشاهدة بعض فيديوهات
السادة القراء من أعضاء المجلس الحالي و"آل عنتر" و"آل
السلكاوي"، وغيرهم ممن أفسدوا ذائقة المصريين، في دلتا مصر وصعيدها؛ لتحكم
بنفسك، ولترى إلى أي درك هوى فن تلاوة القرآن الكريم في مصر. هذا مجلس ضعيف عاجز، وإن حَسنُت نوايا بعض أعضائه!
إذا ما وفقك
الله تعالى وألهمك الصواب –معالي الوزير- واتخذت مثل هذه الخطوة التي يترقبها كل
محبي كتاب الله الكريم، فلا تنسَ، ومثلك حافظ
متين لا ينسى، تدخل الأزهر الشريف إبان إنشاء قانون النقابة في سبعينيات
القرن الماضي، عندما تحفَّظ على أن يكون للقراء نقابة؛ لأن قراءة القرآن الكريم
ليست مهنة، وقال الأزهر الشريف يومئذ: "إنْ رغب القراء في إنشاء نقابة،
فعليهم أن يتحولوا – بجانب القراءة - إلى وظيفة تحفيظ وتعليم القرآن الكريم، بحيث
يقومون بتحفيظ القرآن في أوقات مُحَدَّدة وبشروط مَعلومة كشيوخ وأعضاء للمقارئ –
فيكون مِن الجائز حينئذ أن تُنشأ لهم نقابة ترعى مَصالحهم؛ ذلك أن جُمهور العلماء
على جواز أخذ الأجر على تعليم وتحفيظ القرآن، فيُمْكِن أن تكون مِهْنة"!
واستجاب مجلس الشعب لرأي الأزهر الشريف، كما أخبرني معالي المستشار الجليل هشام
فاروق، وجرى تعديل شامِل لمَشروع إنشاء النقابة بناءً عليه، فأصبح اسم النقابة:
"نقابة مُحفظي وقراء القرآن الكريم"، وتقدم المحفظون على القراء! وعطفًا
على ذلك، وتصحيحًا لوضع خاطيء..
فليت معالى الوزير يتغاضى في تشكيل المجلس الجديد
عن القراء تمامًا، لا سيما صاحبيه، حيث أثبتت الأيام والسنون الخوالي تضارُب
المصالح، عندما يكون القراء هم قوام مجلس النقابة؛ حيث ينشغلون بمصالحهم الشخصية
جدًا، وينشغلون عن المهمة النقابية المنوطة بهم، ومن ثمَّ فما الذي يمنع أن يكون
المجلس المحتمل من المُحفظين وأساتذة القراءات وأعضاء لجنة مراجعة المصحف نقيبًا
وأعضاءً، ممن لا تشغلهم تربيطات العزاءات والأفراح وحفلات الطهور وما شابه! ربما
عندما يكون النقيب وجميع أو معظم أعضاء مجلس النقابة من السادة الأفاضل أساتذة
القراءات وعلوم القرآن الكريم والمحفظين الكبار ينصلح الحال تدريجيًا؛ لأنهم لن
يغضُّوا الطرف عن قاريء مقصر متخاذل بحق كتاب الله تعالى، ولن يوفروا الحصانة
لقاريء عابث متلاعب، ولن يكونوا مضطرين لاسترضاء واستقطاب المرتزقة والصييتة
والسماسرة والفراشين؛ ليضمنوا "ديمومة السبوبة اليومية"..افعلها يا
معالي الوزير..ولن تندم!