رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

لحظة سيتوقف أمامها التاريخ... السيسي يزور أنقرة وفرمان تركي مصري بمحو الماضي

المصير

الأربعاء, 4 سبتمبر, 2024

09:34 ص

كتب: محمد أبوزيد 

تختلف لغة السياسة عن لغة البشر، فهي لغة لا تعرف الحب والكره، فلا عداوة مستمرة ولا صداقة دائمة، فقه المصالح له الأولوية، كل هذه المعاني وغيرها تنطبق على تلك اللحظة الاستثنائية التي سيتوقف أمامها التاريخ في الزيارة التي يقوم بها   اليوم الرئيس السيسي لتركيا وفقا لما أكدته وسائل الإعلام التركية.

 
ففي تطور تاريخي مثير للعلاقات المصرية التركية ، يقوم  الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة  هي الأولى من نوعها لأنقرة اليوم الأربعاء. 


تأتي هذه الزيارة بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية والحرب الإعلامية الشرسة بين البلدين، التي نشبت على خلفية الموقف التركي المؤيد لجماعة الإخوان المسلمين، والرافض لحكم السيسي. ولكن، مع مرور الزمن وتغير المصالح الدولية والإقليمية، تلاشت هذه الخلافات بشكل تدريجي، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون والتفاهم بين القاهرة وأنقرة.


القطيعة الدبلوماسية والحرب الإعلامية بين القاهرة وأنقرة


وكانت فصول العلاقة بين القاهرة و انقرة والسيسي واردوغان قد مرت بلحظات دراماتيكية شديدة الخطورة خلال العقد الماضي. 

فبعد  أن أطاح  السيسي بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في عام 2013، اتخذت العلاقات بين مصر وتركيا مسارًا متوترًا للغاية. فقد استنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الخطوة واعتبرها انقلابًا على الديمقراطية، وهو الموقف الذي أثار حفيظة السيسي والدولة المصرية، وهو ما أدى إلى قطيعة تامة بين مصر وتركيا. 
تجسدت هذه القطيعة في تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وانخرط الإعلام الإخواني الموجود في تركيا والإعلام  المصري في حرب ملاسنات  شرسة استمرت لسنوات، حيث شنت كل جهة هجومًا لاذعًا على الأخرى.

التحول التدريجي في العلاقات المصرية التركية

على الرغم من العداء العلني بين السيسي وأردوغان، إلا أن تغيرات السياسة الإقليمية والدولية أدت إلى تحول تدريجي في العلاقات بين البلدين. كانت البداية عندما قام أردوغان بزيارة تاريخية للقاهرة، في خطوة غير متوقعة أظهرت استعداد تركيا لفتح صفحة جديدة مع مصر. هذه الزيارة تزامنت مع إجراءات تركية ملموسة منها إغلاق القنوات التلفزيونية المملوكة لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تبث من إسطنبول، وطرد عدد من قيادات الجماعة من الأراضي التركية. هذه الخطوات اعتُبرت بمثابة رسالة إيجابية للقاهرة، تعكس رغبة أنقرة في إعادة بناء الجسور مع مصر.


فتش عن المصالح 

لم يكن هذا التحول في العلاقات بين مصر وتركيا وليد الصدفة، بل كان نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية عديدة. فمن الناحية السياسية، أدركت أنقرة أن استمرار القطيعة مع القاهرة لن يخدم مصالحها الإقليمية، خاصة في ظل تصاعد التوترات في المنطقة وتزايد التحديات المشتركة مثل الأزمة الليبية والوضع في سوريا. كما أن تركيا تحتاج إلى إعادة تموضع استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، يتطلب تعزيز العلاقات مع الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها مصر.


أما من الناحية الاقتصادية، فقد لعبت المصالح الاقتصادية دورًا محوريًا في تقارب البلدين. فقد شهدت السنوات الأخيرة ازدهارًا في التعاون التجاري بين البلدين، رغم الخلافات السياسية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا مليارات الدولارات سنويًا. هذا التعاون الاقتصادي دفع البلدين إلى البحث عن سبل لتعزيز التعاون والاستفادة من الفرص المتاحة، ما يتطلب تطبيع العلاقات السياسية.


توقعات كبرى لزيارة السيسي 

تأتي زيارة السيسي لتركيا في ظل أوضاع إقليمية ودولية معقدة، خاصة مع تصاعد العدوان الإجرامي  الإسرائيلي في غزة وانتقاله للضفة تنفيذا لخطة بينامين  نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة والتي ترغب في توسيع دائرة الصراع. 
وممن المتوقع أن يكون هذا الملف حاضرًا بقوة في محادثات السيسي وأردوغان، حيث يلعب البلدان دورًا رئيسيًا في تهدئة الأوضاع وتحقيق الاستقرار في المنطقة. قد يسعى السيسي إلى الحصول على دعم تركي لموقف مصر في غزة، وربما يتم التباحث حول سبل التعاون في هذا الملف الحساس.

من الناحية الاقتصادية، من المتوقع أن تسفر هذه الزيارة عن توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية وتجارية، تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري بين البلدين وجذب الاستثمارات التركية إلى مصر، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

سبب  إلغاء زيارة السيسي السابقة لتركيا. 

الجدير بالذكر أن هذه الزيارة ليست الأولى التي كان من المقرر أن يقوم بها السيسي لتركيا، حيث كانت هناك زيارة مقررة العام الماضي تم إلغاؤها في اللحظات الأخيرة. يُعتقد أن سبب الإلغاء يعود إلى خلافات في وجهات النظر حول بعض الملفات الإقليمية لم يكن قد تم حسمها بعد، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية في كلا البلدين. هذا الإلغاء أثار حينها تكهنات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن تلك الخلافات قد تم تجاوزها تماما. 


من القطيعة إلى التحالف الاستراتيجي

تشكل زيارة السيسي لتركيا محطة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث تنتقل العلاقة من مرحلة القطيعة والتوتر إلى مرحلة جديدة من التعاون والتفاهم. هذا التحول لم يكن ممكنًا دون تغيرات كبيرة في السياسة الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى المصالح المشتركة التي باتت تحتم على البلدين العمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة. ومع استمرار هذه الديناميكية، قد نشهد تحالفًا استراتيجيًا بين مصر وتركيا، يلعب دورًا محوريًا في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.