رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

يحيى قلاش للمصير: المتصهينون في نقابة الصحفيين قلة والمناخ الحالي يرى أن الإعلام سبب كل البلاوي

المصير

الأربعاء, 7 أغسطس, 2024

03:59 م

الخلاف الشديد حول رعاية المتحدة لحفل جوائز نقابة الصحفيين كان مفيدًا



هناك أسماء من بيننا لم تصمد أمام التهديدات الأمنية في أزمة اقتحام النقابة في 2016 ولعبت أدوارًا مشبوهة



الذين يصيغون المشهد الإعلامي الحالي مقتنعون أن هامش الحرية في عهد مبارك سبب سقوطه. 



نقتل ماسبيرو الذي شكل وجدان العالم العربي وننفق الملايين على شراء مؤسسات صحفية خاصة والنتيجة صفر كبير



مصر تخوض معاركها الداخلية والخارجية بلا غطاء إعلامي بسبب ازدراء الإعلام



مبارك جلس معنا مرتين لحل أزمة القانون 93 والمناخ مختلف تمامًا حاليًا

 

تجري النقابة في دمه وتحتل مكان الصدارة في قلبه، لو كان هناك جهاز يقيس درجة الغلاوة والحب لوجدوا أن نقابة الصحفيين هي الأعلى والأغلى والأسمى في وجدانه، قبل كل الأشياء وكل الأشخاص. لو كان كامل زهيري نقيب النقباء فإن يحيى قلاش هو النقيب الذي يحبه ملح  الأرض، حتى من لم يعطوه صوته في الانتخابات، لا يستطيعون أن ينكروا أنهم يحبون هذا الرجل. فقلبه مغلف بالتواضع الشديد، وحياته كلها مُسخرة لخدمة وحماية  الكيان النقابي وحرية الصحافة، شديد العداء للمطبعين ومن عاونهم ومن حالفهم ومن هادنهم، شديد الحب والتقدير لمن عاداهم ومن خالفهم، ومن هنا تأتي أهمية الحوار مع الرجل في تلك اللحظات غير المسبوقة التي تمر بها الأمة والمهنة والدولة.

فتح قلاش قلبه وعقله لموقع المصير في حوارنا الأول معه.

وقال أن عدد المتصهينين في نقابة الصحفيين قلة، وتحدث عن موقفه من رعاية الشركة المتحدة لحفل توزيع جوائز التفوق الصحفي، وتحدث عن عدة فوارق صارخة بين معركة القانون 93 لسنة 1995 وكارثة اقتحام النقابة في 2016، وكيف تصرفت السلطة في الحالتين، وكيف أن مبارك بكل عيوبه لم يغلق المجال السياسي، وكشف أن هناك من الصحفيين من خضع للتهديدات الأمنية غير المسبوقة في أزمة اقتحام النقابة ولعب أدوارًا مشبوهة بعد ذلك ضد الكيان النقابي، وتحدث قلاش في الحوار عن وجهة نظره في سيطرة الشركة المتحدة على وسائل الإعلام في مصر وأسباب وفاة الصحافة الورقية.

 

حاوره: محمد أبوزيد

 

نبدأ بنقابة الصحفيين وعودة الروح لها بعد اختطاف دام أعوام، فماذا ينقص النقابة الآن؟


المهم أن نعي الدرس وأن ندرك أن غياب فاعلية الكيان النقابي هو خسارة لنا جميعًا وأن وجود أعضاء الجمعية داخل بيتهم ليس ترفًا أو فرض كفاية لأن البيت بدون أهله مقبرة أو أطلال مبنى.. وعندما تغيب عنه يغيب الحوار بيننا وتختفي مناقشة القضايا وتضيع الحقوق مع غياب المؤسسة التي تتصدى للدفاع عنها وتنعدم الثقة ويختفي اليقين بقيمة وفاعلية النقابة في أن تكون سندًا ومظلة حماية وهذا أخطر ما في الأمر.. الآن ينقصنا أن نصدق قيمة ما فعلناه وأن يكون فعل الاختيار لنقيب مختلف وأعضاء مجلس أغلبهم متواجدون بيننا بداية لاستمرار دور الجمعية العمومية في الرقابة والمحاسبة والحفاظ على مكاسبها وأن ندرك أن ما تحقق حتى الآن هو عودة البديهيات في العمل النقابي وأن أمامنا مهمة البناء والمشاركة وعندنا فرصة حقيقية في أعمال المؤتمر العام السادس الذي دعا إليه مجلس النقابة لأنني أعتقد أن نجاح هذا المؤتمر يمكن أن يكون بداية مرحلة جديدة بالفعل.

 

البعض اعترض  بشدة حول رعاية المتحدة لحفل توزيع جوائز نقابة الصحفيين وآخرون  دافعوا عن هذا الأمر وكل طرف له منطقه وحجته، كيف رأيت هذا الأمر؟؟ 

 

أتصور أن الزميل العزيز النقيب خالد البلشي قد قدم إجابة مقنعة ردًا على هذا الجدل الذي دار والذي لفت نظري أن ما جرى كان مفيدًا حتى لو كان هنا أو هناك بعض الحماس أو حتى الشطط لأن المعنى الإيجابي في النهاية أن هناك حرص على النقابة وعدم التدخل في شؤونها وأن قطاع كبير يراهن على هذا النقيب.. فقط أود أن أشير أن الرؤية من موقع المسئولية تكون أكثر اتساعًا وأكثر إلمامًا بالتفاصيل والأولويات، وأوضح كذلك أن المهم الحرص على عدم التأثير على قرارك. ومن زاوية وجودي في مجلس أمناء الجائزة أؤكد أن عملنا في هذه اللجنة بكل تفاصيله تم بشفافية ودون تدخل أو تأثير على أي نحو. فقط أود أن أقول إن الكيان النقابي الصامد منذ نحو 83 عامًا لا يمكن أن نخشى عليه ونتعامل معه باعتباره بيتًا من زجاج لأن النقيب الذي يأتي للحد من دور النقابة وتأثيرها لن يكون في حاجة إلى الاحتواء أو التعامل معه بندية.. وإذا كانت هناك ألاعيب تتم فهي صغيرة وخائبة وكثير منها جرى على مدى تاريخ النقابة لكنها زالت وبقيت النقابة.

 

كيف ترى الفارق بين تعامل السلطة في ملحمة إسقاط القانون 93 لسنة 1995 ومعركة اقتحام النقابة  2016، وماذا تركت الأخيرة في نفسك؟

 

طبيعة المعركتين مختلفتين، الأولى كانت عدوانًا على المهنة وهي في طبيعتها مكررة ولها سوابق كثيرة، والثانية كانت عدوانًا على الكيان النقابي في واقعة غير مسبوقة. فقد كانت عملية الاقتحام للقبض على زميلين من داخل النقابة وعلى النحو الذي تم جريمة متكاملة الأركان وواقعة غير مسبوقة بالفعل بل وصادمة.. والدوافع في الواقعتين تكشف الأهداف، فتعديلات القانون 93 لسنة 1995 كانت تستهدف الحد من دور الصحافة وحماية الفساد، أما الأخرى فكان الهدف هو الإعلان عن تحول كبير استهدف فرض الصمت على الجميع وإغلاق ومصادرة المجال العام وإعلان واضح وصريح بغياب أي هامش ديمقراطي وعندما كنا نسخر من تعبير ديمقراطية الهوامش أيام مبارك وجدنا من يعتقد خلال هذه الأزمة أن هذه الهوامش هي التي أدت إلى "جريمة" ثورة الناس في 25 يناير 2011! أيضًا على مستوى المعالجة كان الأمر مختلفًا تمامًا، ففي الحالتين كانت هناك جمعية عمومية غاضبة وثائرة لكن في الحالة الأولى رغم عناد الرئيس مبارك في البداية إلا أن قنوات الاتصال من خلال دكتور أسامة الباز وغيره سرعان ما فتحت وامتدت الجسور والتقى النقيب ومجلس النقابة كل مسئول له علاقة بالأزمة ومن بينهم رئيس الجمهورية الذي التقيناه مرتين وفي المرة الثانية طلبنا أن ينضم للاجتماع النقباء والنقابيين السابقين وكان من بينهم شيخ الصحفيين حافظ محمود ونقيب النقباء كامل زهيري. المعركتان دالتان على مدى التحول الذي حدث من 1995 وحتى 2016 لكن أزمة اقتحام النقابة تركت جرحًا لدى أعضاء الجمعية العمومية الذين هبوا دفاعًا عن نقابتهم في أول اجتماع حاشد وغاضب يشهده هذا العدد من أعضاء الجمعية العمومية وأتصور أن هذا الجيل الذي حمل الجرح داخله كان هو صاحب الكلمة العليا في الانتخابات الأخيرة. كما فشلت السلطة ومؤسساتها في هذه الأزمة أن تقدم نموذجًا يمكن مقارنته على أي نحو بما جرى أيام مبارك والقنوات السياسية غابت تمامًا أو تم استبعادها بفرمان وترك الأمر للأجهزة الأمنية التي تصرفت بسوء تقدير وخشونة وبممارسة ضغوط غير مسبوقة وصلت للتهديد المباشر والصريح وجرت محاولات استقطاب حادة وربما تأتي المناسبة لكتابة تفاصيل ما جرى في هذه الواقعة الفارقة والدالة وطبعا هناك أسماء من بيننا قدمت المصالح الخاصة ولم تصمد للضغوط ولعبت أدوارًا مؤسفة بل وتطوعت باختلاق أكاذيب وخذلت النقابة وطعنت الجمعية العمومية لكن الأغلبية صمدت وانحازت لصمود الكيان النقابي وعندما أستعيد ما جرى أشعر بالفخر والاعتزاز لموقف الجمعية العمومية الرافض لهذا الاعتداء وأشعر براحة بالغة أنني وكثير من زملائي أعضاء مجلس النقابة أدينا ما يمليه علينا ضميرنا وكانت إحالتنا للمحاكمة وسامًا على صدورنا وهو ثمن بخس لأننا تمسكنا بقوة القانون ورفضنا قانون القوة ضد كياننا النقابي.. وهذه المعاني هي التي تبقى.

 

هل الصحافة الورقية ضحية الظرف السياسي الراهن ، أم أن العزوف عنها سببه ارتفاع أسعار الورق واتجاه الإعلام نحو الديجيتال، وهل هناك فرصة لعودة الصحافة الورقية لبريقها أم أنها دفنت بغير رجعة؟*

 

 

طرح قضية أزمة الصحافة على خلفية التصنيف بين ورقية وإلكترونية وغير ذلك من مسميات هو طرح خاطئ. الأهم هو المحتوى، وهذا المحتوى إذا افتقد إلى الحرية سقط وأصبح فارغ المضمون. لابد أن نتفق أولاً أن حرية الصحافة هي أحد تجليات حرية التعبير، وهي إحدى الحريات العامة وليست حرية الصحفيين فقط. أي محتوى إذا لم يستهدف المشاركة وإبداء الآراء وتنوعها وتبصير صاحب القرار باتجاهات الرأي العام، فنحن ننفخ في "قربة مقطوعة". تتساوى في ذلك كل الوسائل وتضيع مقومات هذه الصناعة.

 

الآن، المحتوى هو الأصل والحرية هي المضمون. في الدول التي تعتمد حرية الصحافة، لا تنفي وسيلة الأخرى، والاختيار بين الوسائل تحدده الاقتصاديات مع حرية المضمون. لذلك، تتعايش كل الوسائل ولا تنفي واحدة منها الأخرى. والمثير في أمر هذا التصنيف أن البعض يحاول أن يصنف به الصحفيين بين صحفي ورقي وصحفي إلكتروني، وهذه مشكلة مفتعلة على خلفية أزمة قيد بعض الزملاء. هذا ما يجب أن تجتهد فيه النقابة، التي قطعت شوطاً في قبول أعداد كبيرة منهم، لكنها في حاجة الآن لتعديلات في لائحة القيد بما يقلل هذه الفجوة. نحتاج إلى محتوى يضمن احترافية هؤلاء الزملاء ويضمن كذلك حقوقهم في مؤسسات تحترم علاقات العمل.

 

 

ما رأيك في بعض الصحفيين الذين يصطفون مع الكيان الصهيوني في الهجوم على المقاومة والتقليل من شأنها وتحميلها مسؤولية ما حدث في قطاع غزة؟

 

نقابة الصحفيين كانت في طليعة النقابات المهنية والعمالية التي بادرت باتخاذ أول قرار بحظر التطبيع النقابي مع الكيان الصهيوني عام 1980، وكان كامل زهيري نقيبًا. وبعد ذلك تبعتها النقابات الأخرى (مهنية وعمالية). وظلت الجمعيات العمومية للصحفيين منذ هذا التاريخ وحتى آخر جمعية عمومية في مارس من العام الماضي تؤكد عليه. وخلال هذه العقود التي تزيد عن نصف عمر النقابة، ظلت الجمعيات العمومية تتمسك بالقرار، وتتشدد فيه، وتؤكد على محاسبة المخالفين بكل الوسائل وباتخاذ الإجراءات التأديبية.

 

لقد فشلت كل محاولات التطبيع تحت زعم المهنية وشعار "اعرف عدوك" وتحت مزاعم المتغيرات السياسية ومحاولات جماعة كوبنهاجن ونظرية اختراق جماعة أنصار السلام في إسرائيل، ثم أوسلو-1 وأوسلو-2، وغيرها من محاولات تصدت لها النقابة والجماعة الصحفية. كما تصدوا لكل الشخصيات التي تصورت قدرتها على قيادة هذا الاختراق من بين الصحفيين، بل إن قوة موقف الجمعية العمومية أجبر مجلس النقابة على أن يحيل أسماء صحفية كبيرة للتأديب، ومن بينهم أنيس منصور، ولطفي الخولي، وصلاح منتصر، وعبد المنعم سعيد.

 

هذا الملف يؤكد مدى أهمية القضية الفلسطينية في ضمير الصحفيين المصريين وعند الشعب المصري، فهي قضية مصير وأمن قومي ووجدان. فكل مصري حفظ هذه القضية بين ضلوعه، لذلك فشل التطبيع على المستوى الشعبي في مصر. وكل قلم لا ينتصر لهذه القضية العادلة ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في مقاومة هذا الكيان العنصري الغاصب هو خارج الإجماع الصحفي. فقط أود الإشارة إلى أن قرارات الجمعية العمومية تحظر التطبيع النقابي والمهني والشخصي، وتحاسب بالإجراءات التأديبية كل من يخالف هذه القرارات بأي شكل طالما اقترن بفعل نقابي وليس مجرد إبداء الآراء. لأن نقابة الرأي لا تحاسب أحدًا على رأي أبداه مهما كان شططه، وترى أن الرأي يرد عليه بالرأي. وفي كل السجال الذي جرى في مرات سابقة أو الآن، ستجد أن المتصهينين عندنا قلة لا تصمد أمام صلابة الجمعية العمومية وموقفها الحازم من هذا الصراع ضد الكيان الصهيوني.


**البعض يرى أن هيمنة الشركة المتحدة على المواقع والصحف والفضائيات يتعارض كلياً مع التنوع والتعدد في الآراء ويتصادم مع حرية الرأي والتعبير ويفرض قيودًا كبيرة عليها، كيف ترى هذا الأمر، وكيف يمكن معالجته أو تخفيف حدته؟**

القضية ليست هيمنة المتحدة أو غيرها، القضية أكبر وأعمق من ذلك لأن الإعلام يحتاج إلى رؤية. فهل تحولت سيطرة الأجهزة إلى رؤية؟ وهل أصبح غياب الكوادر المهنية أو حضور بعضهم كمنفذين لتعليمات هذه الأجهزة تحول إلى فلسفة؟!


المناخ الحالي يزدري الإعلام، والرؤية الحقيقية التي تصيغ المشهد الإعلامي الحالي تحكمها حقيقة واحدة وهي أن الإعلام سبب كل البلاوي، وأن الهامش المحدود الذي سمح به نظام مبارك هو الذي تسبب في إسقاط نظامه! رغم أن نظام مبارك الذي وصفه هيكل عام 1995 بأنه سلطة شاخت على مقاعدها استمر حتى 2011 بسبب هذا الهامش الذي كنا نسخر منه بوصفه نظام "ديمقراطية الهوامش"!


إذن أنت أمام رؤية محددة وقناعات لا تعترف بقيمة القوة الناعمة ولا بدور الإعلام وتأثيره داخلياً وخارجياً. فنحن في معارك الداخل والخارج بلا غطاء إعلامي وبلا جيش يستطيع الدفاع عنك لأنه مكبل وضعيف وغير مقنع وبالتالي غير مؤثر. السؤال: هل أنت قادر على استيعاب وفهم أن ثمن هامش الحرية حتى لو زاد سقفه واتسع هو أقل مخاطرة من ثمن مصادرتها، ومن عواقب هذه المصادرة؟ لا يمكن أن تتحدث عن إعلام مؤثر في غياب الحرية، فما بالك وقد تلاشت حتى الهوامش؟!


وهل ندرك أن انصراف الناس عن هذا الإعلام المكبل الذي لا يعبر عنهم في زمن السماوات المفتوحة وثورة التواصل الاجتماعي مقبول أو مفيد؟ بوست واحد على هذه الوسائط يفوق في تأثيره أحياناً كل محاولات الإخفاء. حتى في زمن الرقابة وما كان يسمى بتأميم أو تنظيم الصحافة، كانت تتم بوعي عملية هندسة التنوع بين صحف جماهيرية لكل منها مدرسة تتنافس مع الأخرى، ومطبوعات يغلب عليها الفكر اليساري وأخرى في اتجاه مغاير، ومنابر تقدم الثقافة الدينية... الخ.


كان وراء ذلك رؤية أدت إلى بقاء دور الصحافة والإعلام واستمرار تأثيرها والاستماع لأهل المهنة والاختصاص. والأخطر أنك تميت بالبطء صحف ومؤسسات كبرى تمتلك أصول وتاريخ طويل وتقتل بالإهمال ماسبيرو التي كنت من خلالها تخاطب العالم وتدخل كل بيت عربي وتشكل وجدانه. وفي الوقت ذاته تغدق الملايين على شراء مؤسسات واحتواء أخرى، والنتيجة صفر كبير!