بكل حب وتفانٍ، وهبت الشيخة توحيدة عثمان حياتها كلها للقرآن الكريم، حتى رفضت أن تتزوج كي تظل مكرسة وقتها الكامل لخدمة كتاب الله. بدأت حفظ القرآن وهي في سن التاسعة، حيث كانت تقرأ عشرة أجزاء يومياً، وتخصص وقتاً بعد الفجر لقراءته حتى الساعة العاشرة صباحاً. بعد ذلك، كانت تستغفر الله على تقصيرها في عبادته. هذا ولدت معجزة من الإخلاص والالتزام جعلت من الشيخة توحيدة عثمان واحدة من أكبر محفظات القرآن الكريم في مصر. واليوم، نتحدث عن الحزن الكبير الذي خيم على محافظة الشرقية بعد رحيلها .
في الأيام القليلة الماضية، ودع أهالي محافظة الشرقية فقيدتهم الشيخة توحيدة عثمان، التي تُعدّ من أكبر محفظات القرآن الكريم في مصر رحلت عن الحياة عن عمر يناهز السبعين عاماً، قضت منها 61 عاماً في خدمة كتاب الله وتحفيظ القرآن الكريم.
وحفظت الشيخة توحيدة القرآن الكريم في سن التاسعة على يد الشيخة زينب أحمد بركات، ومنذ ذلك الحين حملت أمانة القرآن الكريم طوال حياتها. عملت محفظة للقرآن الكريم في الأزهر الشريف، وكان لها دور بارز في معهد قرية الشرقاية بكفر صقر، حيث حولت منزلها إلى "كتّاب" لتعليم الأطفال حفظ القرآن الكريم .
كان الأطفال يتوافدون يومياً على منزلها في الصباح الباكر ليتعلموا القرآن على يديها، وكانوا يحبونها بشكل كبير، فهي كانت مثالاً في الطيبة والنبل، تعطف عليهم كما لو كانوا أبناءها. ورغم الإغراءات التي قد تأتي من الزواج، رفضت الشيخة توحيدة فكرة الزواج، لأنها كانت تعتبر أن ذلك سيعيقها عن متابعة رسالتها السامية مع كتاب الله .
وكانت الشيخة توحيدة تحافظ على وردها اليومي من القرآن، حيث كانت تقرأ عشرة أجزاء يومياً بعد صلاة الفجر، وتظل تتابع تعليم الأطفال من الساعة العاشرة صباحاً حتى المساء. كانت تقول لتلاميذها: "هذا على قدر طاقتي، وأستغفر الله عز وجل دوماً على تقصيري تجاه القرآن الكريم". ورغم مشاغلها العديدة، كانت دائماً حريصة على إتمام مهمتها التعليمية .
الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، عبر عن حزنه العميق لرحيل الشيخة توحيدة عثمان، مشيداً بحياتها المباركة التي كانت مليئة بالإخلاص والتفاني في خدمة كتاب الله. وأكد أن الشيخة توحيدة كانت نموذجاً للإخلاص، وأن جميع من تعلموا على يدها من أطفال وأجيال عديدة سيظلوا يذكرونها بكل خير. ودعا الله أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يجعل القرآن شفيعاً لها في الآخرة .
في ختام نعيه، دعا الدكتور الأزهري قائلاً: "نسأل الله عز وجل أن يرزقها الفردوس الأعلى، وأن يجعل كل ما قدمته في ميزان حسناتها، وأن يلهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان". إنا لله وإنا إليه راجعون.
ويعد رحيل الشيخة توحيدة عثمان هو خسارة كبيرة لكل من عرفتهم أو تعلمت على يديها ، حيث كانت مثالاً حياً للتفاني والإخلاص في خدمة القرآن الكريم، ورغم رحيلها، سيظل أثرها باقيًا في قلوب من تعلموا منها، وفي دروب القرآن التي كرست حياتها لها.