في مشهد درامي يكاد ينافس مشاهد أفلام الخيال السياسي، يظهر أفيخاي أدرعي، المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، ليس كجندي في صفوف الكيان الصهيوني، بل كناصح أمين للمسلمين، مستشهداً بابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب لتحذيرهم من خطر التقارب مع الشيعة. هذا التحول العجيب في الأدوار يثير تساؤلاً ساخراً: هل أصبح أدرعي حارساً لعقيدة المسلمين، أم أن الخوف من توحدهم تحت راية المقاومة أصبح هاجساً يؤرق الكيان الصهيوني لدرجة جعله يخرج لينصح المسلمين بعدم الوحدة؟
طوفان الأقصى يدمر العشرية السوداء للفتنة بين السنة والشيعة
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية تغيرات جذرية أعادت صياغة العديد من التحالفات السياسية والعسكرية، لاسيما بعد تصاعد عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية. وبينما يعاني الكيان الصهيوني من تصاعد ضربات المقاومة، خاصة بعد طوفان الأقصى الذي وحد كل الفصائل الإسلامية تحت راية الدفاع عن المقدسات، نجد أن الصوت الذي ارتفع من تل أبيب ليس دعوةً لسلام أو تفاوض، بل تحذير للمسلمين السنة من الشيعة، وكأن وحدتهم هي السلاح الأشد خطراً على بقاء الكيان.
خرج أفيخاي أدرعي عبر وسائل الإعلام ليخاطب المسلمين السنة محذراً إياهم من التقارب مع الشيعة، مستخدماً استشهادات دينية من تراث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، في محاولة لإثارة النعرات الطائفية القديمة بين المسلمين. هذا التصريح لم يكن عابراً أو مجرد مزحة سياسية؛ بل هو انعكاس حقيقي للخوف الإسرائيلي من توحد المسلمين، وخاصة من تحالفات المقاومة المتزايدة بين الفصائل السنية والشيعية.
null
التقارب الذي يرعب الصهاينة
لطالما كان التقارب بين السنة والشيعة هاجساً يؤرق الكيان الصهيوني، الذي يستفيد من تفرق المسلمين وتناحرهم الداخلي. إن توحد المسلمين تحت راية المقاومة، التي تشمل الفصائل الشيعية مثل حزب الله والفصائل السنية مثل حماس والجهاد الإسلامي، بات يشكل خطراً استراتيجياً على إسرائيل. فبعد كل تصعيد في الأراضي المحتلة، نجد أن التنسيق بين هذه الفصائل يزداد، متجاوزاً الخلافات الطائفية.
طوفان الأقصى كان أحد أهم المحطات التي أكدت هذا التقارب؛ حيث اجتمع المسلمون بكل أطيافهم على هدف واحد: حماية الأقصى والرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. هذه الوحدة التي تجلت في ساحات المقاومة جعلت الاحتلال يضع نصب عينيه ضرورة إحياء الفتنة الطائفية بين المسلمين، لإضعاف هذا التحالف الذي بات يهدد أمنه بشكل مباشر.
null
الخوف الإسرائيلي من وحدة المقاومة
إسرائيل، منذ نشأتها، اعتمدت على استراتيجية "فرق تسد" في المنطقة، مستغلة التناقضات الداخلية بين الدول العربية والإسلامية، وأبرزها الخلاف السني-الشيعي. ولكن مع توحد الفصائل المقاومة تحت راية واحدة، تغيرت المعادلة. لم يعد الاحتلال يواجه فصيلاً منفرداً، بل يواجه شبكة متكاملة من المقاومة المدعومة شعبياً من مختلف الطوائف الإسلامية.
لذلك، يمكن فهم تصريحات أدرعي الأخيرة في سياق محاولة زرع الشكوك بين السنة والشيعة، وتصوير التقارب بينهما كتهديد ليس فقط لإسرائيل بل للمسلمين أنفسهم. يريد الكيان الصهيوني أن يبقى المسلمون في حالة تناحر دائم، ليتجنب مواجهة قوة متكاملة تستطيع إضعافه على أكثر من جبهة.
توحد المقاومة السنية والشيعية
مع تصاعد حدة الصراع، بات واضحاً أن المقاومة الإسلامية، سواء كانت شيعية أو سنية، أصبحت أكثر تنسيقاً وفعالية. هذه المقاومة التي تجسدت في العمليات المشتركة ضد الاحتلال الصهيوني تضعف من قدرة إسرائيل على التفوق العسكري والسياسي. كما أن الدعم الشعبي المتزايد للمقاومة، من مختلف الطوائف الإسلامية، جعل من المستحيل على إسرائيل أن تفصل بين المسلمين بالطريقة التي كانت تعتمد عليها سابقاً.
التصريحات الأخيرة لأدرعي ليست إلا دليلاً آخر على حجم الرعب الذي يعيشه الاحتلال جراء هذا التقارب. فبينما تحاول إسرائيل أن تظهر نفسها كقوة عسكرية لا تقهر، نجدها الآن تسعى بكل وسيلة ممكنة لزرع الفتنة بين صفوف أعدائها، محاولةً تفكيك التحالفات الجديدة التي باتت تشكل تهديداً وجودياً لها.
أصبح واضحاً للجميع أن العدو الصهيوني ليس قلقاً من قوة عسكرية تقليدية بقدر ما هو قلق من وحدة المسلمين تحت راية المقاومة. تصريحات أدرعي الأخيرة تعكس هذا القلق بوضوح، محاولاً التلاعب بالمفاهيم الدينية والطائفية لإشعال فتنة بين المسلمين. لكن ما يغفله الاحتلال هو أن طوفان الأقصى وحد الجميع ضد العدو المشترك، وأن هذا التقارب الذي يخشاه لن يتراجع، بل سيزداد قوة وصلابة في مواجهة الاحتلال.