و
في طيات تاريخ الإسلام، تبرز قصص شخصيات رائدة أضاءت دروب الهجرة والإيمان، ومن بين تلك الشخصيات، تبرز أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، الصحابية الجليلة، التي تحدّت التقاليد وأثبتت شجاعتها بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية، لتكون أول امرأة تهاجر منفردة.
كانت أم كلثوم، أخت الخليفة عثمان بن عفان لأمه، من أوائل المؤمنات اللواتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة.
بعد أن ضاقت بها أرض مكة، قررت الهجرة إلى المدينة متحدية قيود الصلح الذي كان يلزم المسلمين بإعادة أي شخص يأتيهم من مكة إلى قريش، رجلاً كان أو امرأة.
وصلت أم كلثوم إلى المدينة، وجاء إخوتها يطالبون بإعادتها بناءً على شروط صلح الحديبية. ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل في شأنها آية تغير مجرى الأمور، وهي الآية العاشرة من سورة الممتحنة، التي أمرت المؤمنين بعدم إعادة النساء المؤمنات إلى الكفار إذا ثبت إيمانهن، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" [الممتحنة: 10].
بهذه الآية، أسّست أم كلثوم بنت عقبة لمرحلة جديدة في تاريخ الهجرة، مؤكدةً أن الإيمان الحقيقي لا يعرف حدودًا ولا قيودًا، وأن الحق فوق كل اتفاق.