رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

محمود إبراهيم يكتب: فقه الشيطان

المصير

الأربعاء, 24 يوليو, 2024

05:22 م

غالبا ما نظن إذا ذُكر الشيطانُ أن له قرونٌ طوال وأن له شوكة ثلاثية الرؤوس، وله عين بارزة ولاحظة وربما كانت له حوافر كالذئاب وأجنحة كالوطواط، وأن له من الجلد ما لونه أحمر كاحمرار الدم في عروق الناس. ربما توارثنا هذه الصورة من الأساطير القديمة أو اسرائيليات الشرائع المختلفة.


ومما يثير انتباهي في هذه الهيئة التي نتصورها أنها على قدر وضوحها شديدة التضليل؛ فإنه لا يمكن لصاحب هذا التصور عن الشيطان أن يخطئه، ولا يمكن أن يخطئ أحد شيطانا بهذا الوصف حتى وإن لم يكن يعرفه.


ولعل تصورنا هذا يدلنا على كيفية إدراك الشيطان للحرب التي بينه وبين الإنسان، لأن الحقيقة من الأمر عكس ما قد بان. 


إذا كنت تعيس الحظ ورأيت شيطانا، فإنه سيكون وسيما لتنجذب وذا صوتٍ حنونٍ لتُنصت وصاحب كلامٍ معسولٍ لتستجيب، حتى إذا لنت دلّك وإذا زللت أذلّك. وأرى أن أقرب مثالٍ مصور لهيئة الشيطان الحقيقية هو تمثيل (آل- باتشينو) في (محامي الشيطان).


كما أننا نظن في الشيطان الكفر (بمعنى إنكار وجود الله) وليس الشيطان كافرا، بل إن ما جعله شيطانا فسقه (ففسق عن أمر ربه). ونظن في الشيطان وهذا أخطر الظن أنه جاهل والحق أنه فقيه. يجادلك بالفقه ليلبس الحق رداء الباطل، فإن تصدّقت وأردت النصح قال لك بل هو منّ وأذى يُبطل الصدقات.


عَلِم الشيطان أن الإنسان يرهقه التكرار فظل يوسوس له، وعلم أنه يضعفه الفراغ فكره أن ينشغل بما ينفعه، وعلم الفقيه الضال أنه يغلبه العلم الحقيقي فكره أن يكون الناس ربانيين؛ فحبب لهم الجهل والشهوات والمتعة واللذات وزين ذلك في قلوبهم.


ولأن الذكرى تنفع المؤمنين، فالمستفاد من هذا الطرح هو أن تعلم أن الأشياء ليست كما تبدو عليه، وأن الشيطان عادة ليس بالصريح المواجه بل هو بالجبان المباغت وأن كلامه معسول وأن مكره موصول وأنه عذب الإيقاع وأنه عظيم الإقناع وأن له من الناس أتباع، يسيرون سيره ويقصدون قصده.


واعلم أن الشيطان قد يأمرك بالخير؛ ليُلهيك عن خير أكبر، ولذكرُ الله أكبروالله يعلم ما تصنعون.