رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

مختار محمود يكتب: سيدة الخبز وسيئة المحافظ!

المصير

الثلاثاء, 16 يوليو, 2024

06:06 م

مَن أفتى بأن مديري السجون يصلحون لإدارة شؤون الحياة؟ شتان الفارق بين إدارة مؤسسة عقابية تحتضن مخالفين للقانون، وبعضهم معتادو الإجرام، وبين إدارة شؤون واحدة من أكبر محافظات مصر. الأمر جد خطير، ويعكس خللاً مستدامًا في طريقة ترشيح واختيار الطبقة الأولى من كبار المسؤولين. بدا واضحًا للعيان أن مزيجًا من العشوائية والمجاملة لا يزال مسيطرًا على تعيين الوزراء والمحافظين ومَن يلونهم. لا تزال الثقة قادرة على اكتساح الكفاءة بالضربة القاضية. هناك سوء تقدير لا يخطئه عاقل في هذا الملف الشائك، لا يريد أحد الاعتراف والإقرار به ولا طرحه للحوار المجتمعي. 
محافظ الدقهلية المُستجد، وكأنه أراد ذبح القطة أو إثارة الرعب في قلوب أبناء المحافظة، لم يجد سوى سيدة مُسنة، يبدو أنها تحايلت للحصول على أكثر من حصتها في الخبز المدعوم، فمارس عليها نفوذه الغاشم،  ولاحقها إلى منزلها المتواضع، وصادر 5 أكياس للخبز، داعيًا مسؤول البث المباشر المرافق لـ"سيادته" إلى تصوير المشهد وبثه على المنصات المختلفة، وهو يردد في انفعال مفتعل: "صوَّر يا هيثم"!
يا للهول، أيُّ عقل يا سيادة المحافظ دفعك إلى أن تطارد امرأة لا حول لها ولا قوة؛ لتصادر بضعة أرغفة من الخبز، ثم تأمر أحد مرافقيك بأن يصوركما "معًا"؛ لتحصل أنت على اللَقطة من ناحية، وتُجرِّس المسكينة من ناحية ثانية؛ متوهمًا بذلك أنك أتيت في مستهل عهدك غير الميمون صنيعًا محمودًا، وهو دون ذلك بكل تأكيد؟!
الواقعة بتفاصيلها وملابسها تداولتها مواقع محلية، ومنصات عالمية، وكانت ردود الفعل في مجملها سلبية، وتعكس عدم إنسانية المحافظ في التعامل مع أسرة يطحنها الفقر طحنًا.
لم يعتذر المحافظ عن سوء تصرفه، بل كابر وعاند وخرج في تصريحات صحفية  ومتلفزة زاعمًا أن «ما حدث رسالة لمن يفكر في مخالفة القانون، ويحصل على سلع مدعمة ليست من حقه»! وماذا عن حيتان الأراضي وجبال القمامة التي تملأ ميادين وشوارع المحافظة مثلا يا سيادة المحافظ؟ هل جففت كل مواطن الفساد في الدقهلية ولم يبق سوى تلك المسكينة وأكياس الخبز المدعوم؟ أم إنك  جئت لتطبق سياسة الجاهلية الأولى: إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد"؟! علمًا بأنها لم تسرق، بل تحايلت للحصول على خبز تسد به صريخ بطون أسرتها في أيام تشبه أيام عام الرمادة!
يا سيدة المحافظ..إن كنت تريد حقًا إرسال رسالة للفاسدين، فقد أخطأت العنوان والأسلوب والطريقة والإخراج، فما هكذا تورد الإبل ولا الخيل ولا البغال ولا الحمير؛ ولكن كانت هناك ألف طريقة وطريقة لتعريف السيدة الفقيرة طبيعة خطئها، إن اعتبرناها أخطأت، كما كانت أمامك فرصة ذهبية لدعمها ومساعدتها في مصيبة الفقر، ومن ثم تعبر عن نفسك بصورة إنسانية طيبة، وتقدم نفسك للرأي العام بصورة مثالية، طالما أنت من المشغولين بـ"اللقطة"..وصوَّر يا هيثم!! أما إرهاب الفاسدين والمجرمين فلم يكن موضعه هاهنا!
لا شك أن طبيعة عملك بالسجون –يا سيادة المحافظ- قطعت عليك الطريق للقراءة والاطلاع ومعرفة كيف كان الحكام والمسؤولون والولاة الراشدون يسوسون شعوبهم ورعاياهم، لا سيما الفقراء والمعدمين منهم، ولا يتعالون عليهم، ولا يذلونهم بأرغفة لا تسمن ولا تغني من جوع. ألم يرق قلبك –يا سيادة المحافظ- عندما اقتحمتَ دارها المتواضعة، ورأيت رقة حالهم..أم إن مثلك لا يرقُّ له قلب؟ قسوة القلوب لا تعكس قوة أصحابها، ولكنها تعني شيئًا مغايرًا تمامًا أنت تعلمه. الراحمون يرحمهم الله يا سيادة المحافظ. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا –يا سيادة المحافظ- ولكنكم أفقرتموهم وضاعفتم فقرهم، ثم استدعيت "هيثم" لتصورهم؟
مصر –يا سيادة المحافظ- احتلت في العام الماضي المرتبة 108 في مؤشر الفساد العالمي، والمرتبة 130 في العام قبل الماضي، من أصل 180 دولة، رغم عشرات الأجهزة والمؤسسات الرقابية التي يتقاضى مسؤولوها رواتب كبيرة جدًا، ومن المؤكد أن هذا الترتيب المتأخر لمصر في تصنيف الفساد لا علاقة له بسيدة الخبز المدعم، ولكن بتفاصيل أخرى، أنت أعلم بها، ويجب أن تضعها على رأس أولوياتك، وعندما تتخلص منها إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، فولِّ وجهك يومئذ شطر فقيرات الخبز المدعم، مصطحبًا "هيثم" معك؛ ليصورك وأنت تطاردهن إلى بيوتهن وتنتزع منها الخبز. ومن المؤكد أنك لو نجحت في مكافحة الفساد الحقيقي –وهذا لن يحدث- فإن سيدة الخبز وأمثالها سوف يكنَّ في غنى عن مخالفة القانون واختلاس "العيش المدعوم"؛ لأن الفساد المتوحش هو مَن جعل سيدة الخبز وأقرانها في ازدياد طاغٍ!