كان هناك قوم يعيشون في قرية بعيدة، عرفوا بفسادهم وانحرافهم عن طريق الحق، فارتكبوا العديد من المعاصي، وأعظمها كان الزنا مع إبليس، فغرقوا في مستنقع الفساد، حيث استمرت حياتهم على هذا النحو لسنوات طويلة، حتى بلغ فسادهم حداً لا يمكن التغاضي عنه.
في أحد الأيام، جاءهم رسول من الله لينذرهم ويهديهم إلى طريق الصواب، لكنهم رفضوا نصيحته وسخروا منه، فأصروا على غيهم، وظنوا أن لا قوة في الأرض تستطيع معاقبتهم على أفعالهم المشينة.
في غضب عارم، سلط الله عليهم جيشاً من الملائكة، بدؤوا بتدمير القرية، زلزلت الأرض تحت أقدامهم، وانقلبت مساكنهم فوق رؤوسهم، فلم ينجُ منهم أحد، وأصبحت قريتهم أثراً بعد عين، عبرة لكل من يتحدى إرادة الله ويتبع خطى الشيطان.
استمر الدمار حتى اختفت القرية تماماً، واندثرت معالمها، حتى باتت قصة القوم درساً تتناقله الأجيال، ليعرف الجميع أن الزنا مع إبليس وعصيان أوامر الله لا يجلبان إلا الهلاك والدمار، وتظل الملائكة المؤتفكة مثالاً على قوة الله وقدرته على محاسبة الظالمين.
معنى المؤتفكة
المؤتفكة هي جماعة أو قوم ورد ذكرهم في القرآن الكريم وكانوا يعيشون في مدينة سدوم وقراها المجاورة، و تُعتبر هذه الجماعة واحدة من الأمم التي عُرفت بأفعالها السيئة والتي غضب الله عليها بسبب تجاوزاتهم وفسادهم. ورد ذكر المؤتفكة في سورة التوبة، حيث قال الله تعالى: "وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ" (التوبة: ٩).
مدينة المؤتفكة كانت معروفة بكثرة الفساد والانحراف الأخلاقي، وقد بعث الله لهم النبي لوط عليه السلام ليدعوهم إلى التوبة والإصلاح والابتعاد عن الفاحشة. لكنهم رفضوا دعوته واستمروا في عصيانهم وتمردهم. تعدى فسادهم الحدود الأخلاقية إلى حد أنهم كانوا يجاهرون بالفاحشة ولا يخشون عقاب الله.
نتيجة لأفعالهم، أنزل الله عليهم عذاباً شديداً. ذُكر في القرآن أن الله قلب مدينتهم رأساً على عقب وأمطرها بحجارة من سجيل. قال الله تعالى: "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ" (هود: ٨٢).
القصص القرآني عن المؤتفكة يحمل في طياته العديد من العبر والدروس، و من أبرز هذه الدروس هو ضرورة الالتزام بالقيم والأخلاق، وأن الاستمرار في الفساد والظلم يؤدي في النهاية إلى الهلاك، كما يؤكد القصص على أهمية الاستجابة لدعوة الأنبياء والرسل والابتعاد عن المعاصي.
تظل قصة المؤتفكة درساً حياً للبشرية، تذكرهم بعواقب العصيان وتحثهم على اتباع طريق الحق والصلاح. ومع تطور الزمن، تظل هذه القصص القرآنية تحذيراً للأمم والشعوب من مغبة الانحراف عن التعاليم الإلهية.