في مثل هذا اليوم 17 يونيو 1998 توفي إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وفي ذكرى وفاته يُسافر بنا الزمان إلى عمق التاريخ، حيث يتجدد الحنين إلى العالم الذي أضاء دروب الإيمان بحكمته وعلمه الشامخ، حيث يتوهج اسمه كشمس مشرقة في سماء العلم الإسلامي، ينير الدروب ويمحي ظلمة الجهل.
في قرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، تنبعث شمسه الأولى، حيث غرس في تربتها بذرة العلم والتقوى.. حفظ القرآن الكريم في عمر الحادية عشر، مقدمة لرحلة علمية طويلة ومفعمة بالتفاني والعطاء.
رحلة العلم
رحلة العلم تجمعنا بمعهد الزقازيق، حيث تألق بين أقرانه برؤاه الثاقبة وشعره الجميل، فأصبح رئيسًا لاتحاد الطلبة وقائدًا لجمعية الأدباء، ومن هناك، انطلقت رحلته إلى عالم العلم والدعوة، ورحلته لم تكن محصورة في حدود مصر، بل تجاوزت الحدود لتلامس قلوب الناس في العالم العربي والإسلامي، من معلم بالمملكة العربية السعودية، إلى مدير لمكتب الأمام الأكبر بالأزهر، ووزير للأوقاف وشؤون الأزهر في مصر.
ترك الشيخ الشعراوي بصمة تعلو العصور، فلم يقتصر تأثيره على فترة حياته فقط، بل مكتبته الإسلامية ودروسه النافعة تتحدث عن تراث لا ينسى، رحم الله عالمًا رفع اسم الإسلام عاليًا، وألهمنا السير على نهجه الصالح والاستزادة من علمه الوافر في طريق الحق والتقوى.
في ذكرى رحيله السابع عشر من يونيو، تتجدد ذكرى الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي، الذي أضاء دروب العلم والتعليم بنيران المعرفة السامية، ولد في بساطة الريف، حيث ازدهر برحابة نفسه وشغفه بالعلم والتحصيل.
من القرآن إلى المجد
أمضى شيخ الشعراوي سنواته الصبية في محاولة ترويض جمال الحروف وعمق المعاني، حيث حفظ القرآن الكريم في عمر الزهور، ثم اتجه إلى معاهد العلم الشرعي ليبدأ رحلة استكشاف عالم الفكر والدين، ولم يكن انتقاله إلى القاهرة مجرد حلم يقظة، بل كانت رحلة شغف وتحدي، حيث جلبت له المدينة الضوء والفرص، وأكسبته ريشة جديدة في لوحة حياته العلمية.
وعلى رغم رغبته العميقة في البقاء بين أحضان الطبيعة وعائلته الحنونة، إلا أن دفع والده الحكيم وإيمانه بقدرته على تحقيق العظمة دفعاه نحو طريق العلم والتعليم، وبفضل إصراره وعزيمته الحديدية، ترك الشيخ الشعراوي وراءه مكتبة متنوعة وغنية بثمار العلم والتوجيه الديني، تظل إلى الأبد نورًا يضيء لطالبي العلم والباحثين.
تميزت حياة الشيخ محمد متولي الشعراوي بالعطاء والتفاني، حيث لم يكن مجرد داعية وعالم دين بارع، بل كان أيضًا رجلًا أسريًا محبًا ومخلصًا، تزوج في سن مبكرة وبناءً على اختيار والده، ورزق بخمسة أبناء، حيث كان يؤمن بأهمية المحبة والاختيار الصائب في نجاح الحياة الزوجية.
من الناحية المهنية، شغل الشيخ الشعراوي مناصب عدة في مجال التعليم والدعوة، حيث عُين مدرسًا في معاهد الأزهر بمحافظات مصر المختلفة، وعمل في السعودية كمدرس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، كما تقلد مناصب إدارية هامة، مثل وكيل معهد طنطا الأزهري ومدير للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف، واختير الشعراوي عضوا بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية ، ووزيرا للأوقاف، وعرضت علية مشيخة الأزهر وكذا منصب في عدد من الدول الإسلامية لكنه رفض وقرر التفرغ للدعوة الإسلامية.
استجابة الدعوة
روايات استجابة الله لدعاء الشيخ الشعراوي تشكل نبراسًا من الإيمان والتأثير الإيجابي في حياة الناس، تعكس هذه القصص الكريمة القوة الروحية والتواضع العميق للشيخ، والتي كانت تظهر في تواصله مع الله ورسوله.
في لحظات الضيق، كان الشيخ الشعراوي يتوسل إلى الله بكل تواضع وإيمان، ثقةً بأن رحمته وفضله لا حدود لهما، وتجلى هذا في مواقف عدة، حيث كانت دعواته تستجاب وتحمل الراحة والتسهيل للمكروبين والمضطرين.
إن حياة الشيخ الشعراوي كانت نموذجًا مشرقًا للتواضع والتفاني في خدمة الإسلام والمسلمين. وعلى الرغم من بساطته وتواضعه، فإن تأثيره وتأثير دعواته كانت كبيرة وملموسة، مما يجعله قدوة للجميع في الالتجاء إلى الله والثقة في قدرته على تحقيق الإيجابية والخير في حياتنا.
أشهر مقولات الشيخ الشعراوي:
لا تعبدوا الله ليعطي، بل اعبدوه ليرضى، فإن رضي أدهشكم بعطائه.
"عندما يتحدث الناس عنك بسوء وأنت تعلم أنك لم تخطئ في حق أحد منهم تذكر أن تحمد الله الذي أشغلهم بك ولم يشغلك بهم".
"إذا لم تجد لك حاقداً فاعلم أنك إنسان فاشل".
"لقد جعل الله الكون في خدمتك، ولكنه جعله كذلك لتضيف أنت إلى الحياة شيئاً".
"لا تقلق من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون هو تنفيذ إرادة الله".
"إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل".
"إذا رأيت فقيرًا في بلاد المسلمين؛ فاعلم أن هناك غنيًا سرق ماله".
"نحن في المساجد نعيش في حضرة الحق تبارك وتعالى... فأنت في بيت الله تكون في ضيافة الله، وأنت تعلم أنه إن جاءك أحد في بيتك على غير دعوة فأنت تكرمه، فإذا كان المجيء على موعد فكرمك يكون كبيرًا، فما بالنا بكرم من خلقنا جميعًا."
"من حلاوة ما ذقته في القرآن.. أريد أن أنقل هذه الحلاوة للناس."
"الذي لا يملك ضربة فأسه لا يملك قرار رأسه."
"لن يحكم أحد في ملك الله إلا بما أراد الله."
"لا يقلق من كان له أب، فكيف بمن كان له رب."
وعلى الرغم من تقدمه في السن، إلا أنه رفض الاعتزال والاستقالة من العمل الذي كان يحبه ويعتبره رسالته في الحياة. وهكذا، بقي ملتزمًا بدوره في تقديم العلم وخدمة الدين والمجتمع حتى آخر أيامه.