يكثر البحث عن طواف الإفاضة والذي يؤديه حجاج بيت الله الحرام امتثالا للأوامر الإلهية، لكن ما أنواع الطواف بالبيت؟ وما حكم كلِّ نوعٍ؟، هذا ما سنجيب عنه.
الطواف بالبيت العتيق وأنواعه
الطواف بالبيت العتيق من شعائر الإسلام التي يثاب المسلم على فعلها بكافة أنواعه فرضًا كان أو نفلًا، وهو من أفضل القربات وأعظمها، وأكثر المناسك عملًا وأرفعها.
وهو إما أن يكون طواف لنُسُك أو غير نُسُكٍ.
فما كان منه لنُسُك، فهو إما:
طواف القدوم: يفعله القادم إلى مكة مِن غير أهلها، وهو سنة.
طواف الإفاضة: يؤديه الحاج بعد أن يفيض من عرفة، وهو ركن.
طواف الوداع: يفعله الآفاقي قُبَيْل خروجه من مكة، وهو سنة.
طواف التحلل في الفوات: يفعله مَن فاته الحج بعد إحرامه به، وهو واجب.
طواف العمرة: يفعله المحرم بالعمرة بعد إحرامه بها، وهو ركن في العمرة.
وما كان منه لغير نُسُكٍ؛ فهو إما:
طواف نذر: يؤديه المسلم، وفاءً لنذره إياه، وهو واجب.
طواف تحية البيت: يفعله المسلم أول دخوله
فضل الطواف بالبيت الحرام
الطواف بالبيت العتيق من شعائر الإسلام التي يثاب المسلم على فعلها بكافة أنواعه فرضًا كان أو نفلًا، وهو من أفضل القربات وأعظمها، وأكثر المناسك عملًا وأرفعها، قال الله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحج: 26]، وقال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
أنواع الطواف بالبيت الحرام
يمكن تقسيم الطواف إلى قسمين:
القسم الأول: طواف النُسُك: وهو أنواعٌ، وكلُّ نوعٍ له حكمه.
طواف القدوم
أول أنواع طواف النُسُك: طواف القدوم:
وهو: الذي يفعله القادم إلى مكة مِن غير أهلها، ويُسمَّى طواف القادم، وطواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التحية؛ كما في "المجموع" للإمام النووي (8/ 12، ط. دار الفكر).
وهو متصَوَّرٌ في حقِّ الحاج الذي موطنه خارج منطقة المواقيت -ما يُسمَّى "الآفاقي"- إذا كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا، بخلاف المكي فلا يُتصور في حقِّه؛ إذ لا قدوم له، وأما المحرم بالعمرة فلا يُتصور في حقِّه أيضًا؛ لأنه إذا طاف للعمرة أجزأه عن طواف القدوم، ووقع عن طواف العمرة والقدوم معًا، مثلما تجزئ الصلاة المفروضة عن الفرض وتحية المسجد.
وحكمه: أنه سُنَّة عند جماهير الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ تحيةً للبيت العتيق، ولا شيء على مَن تركه، بل حجُّه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة، وهذا هو المختار للفتوى.
فعن أمِّ المؤمنين السيدة عائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنها قالت: «إنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
قال بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "البناية" (4/ 201-202، ط. دار الكتب العلمية): [م: (وهو) ش: أي طواف القدوم م: (سنة وليس بواجب) ش: أي طواف القدوم ليس بواجب عندنا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 12): [(وأما) طواف القدوم فسُنَّة ليس بواجب، فلو تركه فحجه صحيحٌ، ولا شيء عليه، لكنه فاتته الفضيلة، هذا هو المذهب، ونص عليه الشافعي، وقطع به جماهير العراقيين والخراسانيين] اهـ.
وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (3/ 382، ط. دار الكتاب العربي): [إن كان مفردًا أو قارنًا بدأ بطواف القدوم، وهي سنة بغير خلاف] اهـ.
مفهوم طواف الإفاضة
ثاني أنواع طواف النسك: طواف الإفاضة:
وهو الطواف الذي يؤديه الحاج بعد أن يفيض من عرفة، ويبيت بالمزدلفة ولو بمقدار "حط الرحال"، ويسمَّى أيضًا طواف الزيارة؛ لأن الحاج يأتي من منى لزيارة البيت وطواف الفرض والركن.
قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 12): [(وأما) طواف الإفاضة، فله أيضًا خمسة أسماء: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الفرض، وطواف الركن، وطواف الصَّدَر -بفتح الصاد والدال- (وأما) طواف الوداع، فيقال له أيضًا: طواف الصَّدَر] اهـ.
وحكمه: ركن من أركان الحج بإجماع الفقهاء، لا يمكن بدونه أن يتحلَّل الحاج التحلل الأكبر، ولا ينوب عن هذا الطواف شيء ألبتة.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (18/ 615، ط. مؤسسة الرسالة): [وعني بالطواف الذي أمر جلَّ ثناؤه حاجٌّ بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يُطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر وإما بعده، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك] اهـ.
وقال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 58، ط. دار المسلم): [أجمعوا أن الطواف الواجب هو طواف الإفاضة] اهـ.
مفهوم طواف الوداع
ثالث أنواع طواف النسك: طواف الوداع:
وهو: الذي يطوفه الآفاقي قُبَيْلَ خروجه من الحرم إلى وطنه وبلاده، ويكون آخر عهده بالبيت.
وحكمه: أنه سنة، وهو مذهب المالكية، وداود، وابن المنذر، ومجاهد في رواية عنه، وقول للشافعية، ولا شيء على مَن تركه، بل حجه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة، وهذا هو المختار للفتوى.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون كلَّ وجهٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» متفقٌ عليه.
وعنه أيضًا قَال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ فرخَّص للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا نحوه، ممَّا يدل على سُنِّيَّته؛ لأنه لو كان واجبًا لأوجب على الحائض دمًا بتركه.
وعَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرَادَ مِن صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِهِ، فَقَالُوا: إِنَّهَا حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَومَ النَّحْرِ، قَالَ: «فَلْتَنفِرْ مَعَكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 293، ط. مطبعة السعادة): [فوجه الدليل من الحديث: أنه خاف ألَّا تكون طافت للإفاضة، وأن يحبسهم ذلك بمكة، فلما أخبر أنها قد أفاضت، قال: اخرجوا، ولم يحبسهم لعذر طواف الوداع على صفية كما خاف أن يحبسهم لعذر طواف الإفاضة] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 53، ط. دار الفكر): [(و) ندب لِمَن خرج من مكة ولو مكيًّا، أو قدم إليها بتجارة (طواف الوداع إن خرج) أي: أراد الخروج (لِكَالجُحْفَةِ) ونحوها من بقية المواقيت، أراد العود أم لا، إلا المتردد لِمَكَّةَ لِحَطَبٍ ونحوه؛ فلا وداع عليه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 253): [(إذا فرغ من الحج وأراد المقام بمكة: لم يُكَلَّف طواف الوداع، فإن أراد الخروج: طاف للوداع وصلَّى ركعتي الطواف، وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان:.. (والثاني): لا يجب؛ لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه.. (وإن قلنا) لا يجب: لم يجب بتركه دم؛ لأنه سُنَّة، فلا يجب بتركه دم؛ كسائر سنن الحج] اهـ.
وقال أيضًا في "المجموع" (8/ 284): [قال مالك وداود وابن المنذر: هو سُنَّةٌ لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين] اهـ.