كشفت وثائق بريطانية حديثة عن دعوة بريطانيا لتحديد "خطًا أحمر" لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وكبح تصعيدها ردًا على هجمات فلسطينية خلال انتفاضة الأقصى.
وتظهر الوثائق، التي كشفت عنها رئاسة الحكومة البريطانية، حوارات غاضبة بين الأوروبيين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، حيث عبر عن اكتئابه من إذلال الإسرائيليين له.
تعود الوثائق إلى ديسمبر 2001، حيث شهدت تحركات مكثفة لاحتواء التصعيد الدامي بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
انفجر انتحاريان فلسطينيان في القدس، مما أسفر عن وفاة 10 أشخاص، تلاه هجوم آخر في حيفا، أسفر عن مقتل 15 شخصًا.
الوثائق تكشف عن حديث الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن شعوره بالإذلال، ورغبته في تحقيق العدالة. تتضمن الوثائق محادثات مكثفة مع خافيير سولانا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وحكومة توني بلير البريطانية.
يتناول الإعلان الوثائق أحداثاً حساسة وتحركات دولية في محاولة لتهدئة التصعيد العنيف بين الطرفين خلال ذروة الانتفاضة الثانية، المعروفة بانتفاضة الأقصى.
في ديسمبر 2001، شهدت المنطقة تصاعدًا في العمليات الانتقامية من جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات تتحمل جزءًا من هذا التصعيد.
في الثالث من ديسمبر 2001، أجرى خافيير سولانا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، ثلاث محادثات هاتفية مع ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني.
وفي هذا السياق، أبلغ سولانا توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، أن عرفات كان "مكتئبًا للغاية" ولا يستطيع فعل المزيد.
قد وصف بلير الوضع بأنه "بالغ الخطورة"، معتبرًا تردد الولايات المتحدة في التعامل بجدية مع مساعي التهدئة خطوة تعيق التقدم. حذر من تراجع في مساحة المناورة ووصف الوضع بأنه "مريع".
وأعرب بلير عن اعتقاده بأن الإسرائيليين سينتقمون بشدة، وتوقع أن تنتهي الأمور بفقدان الكثير من الأرواح.
كانت رؤية بلير للمضي قدمًا تتضمن اتخاذ خطوات أمنية مرتبة سلفاً من كلا الجانبين، إضافة إلى إلقاء القبض على المتطرفين الفلسطينيين من قبل عرفات.
وكان يؤكد على أهمية إجراءات متزامنة من كل الأطراف للمحافظة على الأمان، ورأى أن تحسين الأوضاع يتطلب تحركًا جادًا ومتزامنًا.
وفي ديسمبر 2001، وافق خافيير سولانا على تصوّر توني بلير، الذي أكد أنه يجب على ياسر عرفات "الدعوة إلى وقف الانتفاضة"، التي كانت إسرائيل والولايات المتحدة تعتبر أن من ورائها تقف جماعات إرهابية فلسطينية مثل حماس.
أخبر المسئول الأوروبي بلير بأنه نصح عرفات بالقيام بهذه الخطوة "فوراً بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة"، معتبرًا ذلك "فرصة ذهبية" للزعيم الفلسطيني.
وأعرب ديفيد ماننغ، مستشار بلير للسياسة الخارجية وسفير بريطانيا السابق لدى إسرائيل، عن اعتقاده بأن "أيام عرفات باتت معدودة".
ومع ذلك، حذر من الخيار بين "تحقيق استقرار وضع عرفات" و"ترك الموقف في الضفة الغربية ينحدر إلى لبنان آخر".
واقترح ماننغ ضرورة إقناع الولايات المتحدة بـ "تحقيق استقرار في وضع عرفات، وأن نجعله هو النقطة المرجعية الثابتة بشأن الوضع في الضفة الغربية".
مع ذلك، شدد على ضرورة أن يتخذ عرفات "خطوات جادة بشأن الأمن"، بما في ذلك قمع نشاط المقاومة الفلسطينية الذي يشكل تهديدًا لأمان إسرائيل. ورأى ماننغ أن إعلان عرفات نهاية الانتفاضة قد يكون "غير واقعي في الوقت الحالي".
تعبيرًا عن تشاؤمه، عبّر توني بلير عن قلقه بشأن تصرف الولايات المتحدة، معتبرًا أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن قد لا تغير موقفها "ما لم يتغير الوضع الحالي".
وأشار بلير إلى أن الموقف الأمريكي يعتبر أن عرفات "لم يؤد المهمة المطلوبة منه"، وإذا لم يكن مسيطرًا على الموقف في الأراضي الفلسطينية، فإن الأمريكيين "لا يرون جدوى في التواصل معه".
وكانت رؤية بلير تتطلب من عرفات اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة بشكل جذري في مجال الأمان، لإحداث تغيير في الموقف، مع تحقيق تقدم في مجالات الأمان والتفاوض لتحقيق تسوية للقضية الفلسطينية.
في نهاية المحادثات بين توني بلير وخافيير سولانا، تم الاتفاق على أن يلتقي سولانا بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات خلال أيام، بهدف نقل رسالة صارمة بأن الخطوات الأحادية مثل وقف الانتفاضة وقمع المتطرفين في الجانب الفلسطيني هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الوضع.
خلال لقاء مع لورد مايكل ليفي، مبعوث بلير الشخصي إلى الشرق الأوسط، حذر سولانا من تعقيد الموقف أكثر مما كان عليه أيام تفجيرات القدس وحيفا وتل أبيب.
ونقل سولانا لليفي بعضًا من المحادثات مع عرفات، حيث أشار إلى أن أبو عمار (الراحل ياسر عرفات) كان يشعر بالإذلال جراء تدمير طائرته، وذلك بناءً على أمر صدر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، أرييل شارون.
إضافة إلى ذلك، ذكرت المحادثات قلقًا من موقف الولايات المتحدة، حيث نقلت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كولين باول، الذي أشار إلى أن "المفجرين يهاجمون عرفات كما يهاجمون إسرائيل"، مع انتقاده لصلات عرفات بالمنظمات الفلسطينية التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية.
وتم التأكيد على أهمية أن تتخذ السلطة الفلسطينية خطوات فعالة لوقف العنف والمساهمة في إنهاء الأزمة.
إجمالا، كانت المحادثات تركز على ضرورة تحرك عاجل وتصعيد الجهود لإنهاء الصراع، مع التأكيد على أهمية تحقيق التوازن بين حقوق إسرائيل والاعتراف بشرعية السلطة الفلسطينية وحث الولايات المتحدة على تحمل دور أكبر في الجهود السلام.
في تلك الفترة، أشار لورد ليفي إلى أهمية فهم موقف إسرائيل وتحديد رؤيتها للتقدم، وحث على تشجيع الإسرائيليين على تحديد بوضوح تصوراتهم بشأن التعامل مع الإجراءات التي تتخذها السلطة الفلسطينية ضد المتطرفين.
كما أكد على أهمية أن تحدد الإدارة الأمريكية حدًا لاستجابة إسرائيل للهجمات الفلسطينية.
وأعرب لورد ليفي عن القلق إزاء غياب إشارة حمراء من الولايات المتحدة للرئيس الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، واعتبر أن الاتحاد الأوروبي قد يضطر إلى دراسة فكرة توضيح الخطوط التي لا ينبغي لإسرائيل تجاوزها في ردها على الهجمات الفلسطينية.
واستبعد أن يكون لدى الولايات المتحدة أثراً كبيرًا على الموقف ما لم يتغير الوضع الراهن.
تم تداول فكرة منح حوافز للسلطة الفلسطينية مقابل تحقيقها لإجراءات فعالة ضد المتطرفين، مثل الإعلان عن مؤتمر للمانحين ونشر مراقبين دوليين في الأراضي الفلسطينية.
كما ركزت المناقشات على ضرورة إرسال رسالة واضحة للفلسطينيين حول الحاجة الملحة لقمع الإرهابيين.
في نهاية المطاف، تم التأكيد على أهمية تسوية الصراع وتحقيق التوازن بين حقوق إسرائيل والاعتراف بشرعية السلطة الفلسطينية، مع التأكيد على ضرورة دور أكبر للولايات المتحدة في جهود السلام.