تحليل يكتبه - أحمد عبادي
تزامنت الأخبار المتواترة من الأعلام الإسرائيلي بشأن سحب لواء جولاني من غزة، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في القطاع، ونية جيش الاحتلال تسريح آلاف من جنود الاحتياط لديه، مع إقرار مجلس الأمن الدولي اليوم زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والدعوة إلى اتخاذ خطوات عاجلة "لتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية"، لتعلن عن بشائر النصر للمقاومة في قطاع غزة بقيادة حركة حماس على إسرائيل انتظارا لإنهاء دائم للعدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع.
*البداية.. سحب لواء جولاني وتسريح الاحتياط
ومع توالي الأحداث في غزة ومتابعة سير الأحداث ونتائج المعارك تتكشف الأزمة التي تعانيها إسرائيل ليس على المستوى العسكري فحسب بل على المستوى السياسي الداخلي والعالمي أيضا، نجد أن صمود أهل غزة، وبسالة المقاومة وما كبدته للعدو الإسرائيلي من خسائر، سجل نقاطا عدة في شباك نتنياهو، أهمها تواصل نزيف الخسائر الحربية والعسكرية في معارك غزة حيث أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، سحب لواء "جولاني" من قطاع غزة بعد ستين يوما من القتال تكبد فيها خسائر كبيرة، حيث قتل وأصيب المئات من ضباطه وجنوده.
ومن بشائر النصر، ما أعلنه الجيش الإسرائيلي، أمس، من مقتل ضابط وجندي خلال المعارك الدائرة مع فصائل المقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة وجنوبه، ليرتفع عدد الضباط والجنود الإسرائيليين القتلى منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر الماضي إلى 471، بينهم 139 منذ بداية العملية البرية في قطاع غزة، بالإضافة إلى إصابة 5 آلاف وتصنيف 3000 منهم بأنّهم أصحاب إعاقات دائمة في الجيش، منذ بدء الحرب يوم 27 أكتوبر الماضي.
وجاء هذا في الوقت الذي قامت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من منطقة تل الزعتر ومحيط منطقة المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة، إضافة إلى الاتجاه لتسريح آلاف جنود الاحتياط قريبا،
وفقا لما أوردته القناة الـ13 الإسرائيلية.
*أولمرت: أهداف نتنياهو من الحرب مستحيلة
ورغم استمرار نتنياهو في إطلاق تصريحاته العنترية التي يؤكد فيها استمرار العمليات العسكرية في غزة حتى القضاء على حماس، في محاولة منه لإيهام الداخل الإسرائيلي بتحقيق انتصار زائف، فإن هذه التصريحات تتحطم على صخرة التسريبات بشأن محاولات نتنياهو المستميتة لاستجداء صفقة تبادل أسرى جديدة مع حماس، أو ما كشفته صحيفة تايمز أوف إسرائيل من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب وساطة الرئيس الأمريكي جو بايدن لدي القاهرة عما إذا كان بإمكان مصر "استيعاب" لاجئي غزة داخل أراضيها خلال فترة الحرب الدائرة في القطاع ، إلا أن الأخير أبلغه بأن السلطات المصرية رفضت المقترح بشكل قاطع.
ومما يعكس المأزق الداخلي الذي يواجهه نتنياهو، واقتراب مستقبله السياسي من النهاية مختوما بهزيمة عسكرية مذلة في غزة، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت انتقادات لاذعة إلى نظيره الحالي وحكومته التي وصفها بـ"المشؤومة"، ودعا إلى وقف فوري للحرب الحالية على غزة، مشددا على أن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأهداف الحرب الأخرى التي أعلنها نتنياهو يستحيل تحقيقها.
وقال أولمرت، في مقال له بصحيفة هآرتس، إن إسرائيل حاليا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما وقف فوري لإطلاق النار، وإما التوصل إلى جثث "الرهائن" لاحقا، موضحا أن أهداف الحرب على قطاع غزة التي أعلنها نتنياهو "كان واضحا منذ البداية أنه لا أساس لها وغير قابلة للتحقيق"، وتابع أن رئيس الوزراء الحالي "لم ينفك يصرح بتلك الأهداف، وبينها القضاء نهائيا على (حركة المقاومة الإسلامية) "حماس" بطريقة مسرحية ويداه ترتجفان، وقد بدا منفصلا عن الواقع".
*أمريكا تمتنع عن التصويت وتتخلى عن إسرائيل
ولعل التخلي الأمريكي عن الدعم الكامل لإسرائيل يعزز فرضية ميل الكفة في الحرب نحو تحقيق المقاومة الفلسطينية في غزة الانتصار على إسرائيل، حيث كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الجمعة، أن الولايات المتحدة أبدت إحباطها من التقدم البطيء في عمليات التوغل البري لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مشيرة إلى أن واشنطن كانت تعتقد أن تل أبيب ستحقق تقدمًا عسكريًا في القطاع منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر الماضي.
وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن تل أبيب أعربت عن خيبة أملها من التسريبات التي خرجت من واشنطن حول موعد الانتقال إلى المرحلة المقبلة من الحرب في غزة، لأنها تعطي أملًا لحركة حماس الفلسطينية، فيما أعلنت القناة 11 الإسرائيلية أن الجيش يستعد لإنهاء العملية البرية في غضون أسابيع.
وانعكس التغير في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل، في موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس، على مبادرة مخففة لزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، داعيا إلى اتخاذ خطوات عاجلة "لتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية"، حيث جاء ذلك بعد أسبوع من تأجيل التصويت ومفاوضات مكثفة للتوصل إلى اتفاق ومحاولة تجنب استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو).
وقد دفع الغضب العالمي إزاء ارتفاع عدد القتلى في غزة على مدى 11 أسبوعا من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع الفلسطيني، الولايات المتحدة إلى الامتناع عن التصويت للسماح للمجلس المكون من 15 عضوا بتبني القرار الذي صاغته الإمارات العربية المتحدة، فهل يستمر هذا الغضب في الضغط على الولايات المتحدة؟، لتتخلى بشكل كامل عن مساندة نتنياهو في هذه الحرب، معلنة انتهاءها بنصر مؤزر للمقاومة على إسرائيل يغير من معادلة الصراع في فلسطين ويرجح كف فلسطين عالميا في مواجهة العنت الإسرائيلي نحو حل الدولتين.