في مشهد مليء بالشجاعة والتضحية، ضحى أربعة شباب بحياتهم بكل شهامة لإنقاذ صديق لهم من بيارة صرف صحي في المنوفية، ليتركوا وراءهم أمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم الذين سيواجهون الحياة من دونهم. كان ما حدث بمثابة مأساة حزينة، لكن أيضاً شهادة حية على الشهامة والرجولة، التي كانت دافعهم الوحيد في لحظة مصيرية. هذه هي قصة شباب محافظة الغربية الذين سافروا إلى المنوفية سعياً وراء لقمة العيش، فما كان لهم أن يعرفوا أن نهايتهم ستكون في جوف بيارة الصرف الصحي، بينما كانوا يقاتلون من أجل إنقاذ روح صديقهم.
في مشهد من الحزن الشديد، اجتمع أهالي قرية الرجدية التابعة لمركز طنطا في محافظة الغربية على خبر مؤلم أصابهم في مقتل، حيث توفي أربعة من شباب القرية، بعد سقوطهم في بيارة صرف صحي بقرية الماي في مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية.
الشباب الأربعة، الذين سافروا من محافظة الغربية بحثاً عن لقمة العيش، لم يكونوا يعرفون أن تلك الرحلة ستكون الأخيرة لهم. فقد طلبت منهم شركة مقاولات في الغربية الذهاب لإجراء إصلاحات في بيارة صرف صحي بإحدى القرى في المنوفية. وبعد أن نزل أحدهم داخل البيارة لإصلاح محبس، تعرض للاختناق بسبب الغاز السام في البيارة، ففارق الحياة فوراً. وعندما رأى باقي زملائه ذلك، قرروا بذل كل ما في وسعهم لإنقاذه، فنزلوا واحداً تلو الآخر، ولكن كل واحد منهم كان يلقى نفس المصير. ليتحقق في النهاية ما كان أبعد ما يكون عن توقعاتهم: ضحوا بحياتهم جميعاً في محاولة لإنقاذ صديقهم.
الواقعة لم تقتصر على وفاة الشباب الأربعة، بل تسببت أيضاً في إصابة اثنين آخرين، في مشهد مأساوي لا يُنسى. هؤلاء الشباب كانوا في عمر الزهور، في الثلاثينات من أعمارهم، تركوا وراءهم أسرهم الحزينة، أطفالاً كانوا في أمس الحاجة إليهم، وزوجات فقدن شريك حياتهن. أما القرية، فقد تحولت إلى مكان مفعم بالحزن، وأصابها الوجع العميق.
وفي أعقاب الحادث، تحرك الأهالي على الفور إلى مستشفى شبين الكوم التعليمي، حيث تم نقل الجثامين إلى هناك للتعرف على سبب الوفاة بواسطة الطب الشرعي. وعلى الرغم من الحزن الذي ملأ الوجوه، توجه وزير العمل محمد جبران إلى مديرية عمل محافظة المنوفية لمتابعة الحادث والتأكد من عدم وجود إهمال في إجراءات السلامة التي كانت ينبغي اتباعها.
ثم، في مشهد مهيب، تم دفن الشباب الأربعة بعد صلاة الجمعة، حيث خرجت جنازاتهم من مسجدي القرية الرئيسيين، واجتمع الآلاف من أهالي القرية لتقديم واجب العزاء. وترافق الحزن والنحيب في تلك اللحظات، حيث انهارت أمهات الضحايا الأربعة في مشهد مؤلم أثناء حمل نعوش أولادهن. كان وداعهم هو آخر ما شهدته أعين الحاضرين في لحظة من أعمق الحزن والتعاطف.
هذه هي قصة شهداء الشهامة الذين قدموا حياتهم فداءً لصديقهم، ولإعالة أسرهم وطلب الرزق الحلال.