-المصير-
في خطاب يحمل تناقضات صارخة ومزايدات سياسية، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال المؤتمر الإقليمي الثامن لحزب العدالة والتنمية في أرزوروم، أن تركيا أصبحت القوة الإقليمية التي تمسك بمفاتيح الشرق الأوسط، مؤكدًا أن سوريا باتت "صفحة طُويت"، وأن نظام حزب البعث أصبح "من الماضي". لكن خلف هذا الخطاب المليء بالادعاءات، تتكشف مسؤولية أردوغان المباشرة عن المأساة السورية التي طالت الدولة، والجيش، والشعب على حد سواء.
دور أردوغان في سقوط سوريا
منذ اندلاع الأزمة السورية، لعب أردوغان دورًا محوريًا في زعزعة استقرار سوريا، حيث فتح الحدود التركية أمام المقاتلين الأجانب والتنظيمات المسلحة، مما أدى إلى تفكيك مؤسسات الدولة وإضعاف جيشها الوطني. باسم دعم "الثورة"، سهّلت تركيا دخول الأسلحة والعتاد إلى الداخل السوري، مما أسهم في تحويل سوريا إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، حيث تداخلت أجندات الدول الكبرى على حساب الشعب السوري.
ورغم ادعاءاته المتكررة بدعم الشعب السوري، إلا أن سياسات أردوغان عززت الانقسامات الداخلية وأطالت أمد الحرب، ليجد السوريون أنفسهم في مواجهة دمار شامل.
فتح الطريق أمام الاحتلال الإسرائيلي
لم يتوقف الأمر عند دعم الفوضى الداخلية، بل كان لأردوغان دور غير مباشر في تمكين الاحتلال الإسرائيلي من استهداف الجيش السوري. فقد نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على الأراضي السورية، دمرت خلالها الدفاعات الجوية وقواعد الجيش، مستغلةً الفوضى التي أشعلتها تركيا.
اليوم، أصبحت سوريا واحدة من الدول التي فقدت جيشها الفاعل، وباتت بلا منظومة دفاعية قوية، وهو الأمر الذي لم يكن ليتحقق إلا بعد سنوات من الفوضى التي أسهم أردوغان في إشعالها ودعم استمرارها.
النفاق التركي تجاه اللاجئين السوريين
وفيما يتفاخر أردوغان بفتح أبواب تركيا أمام اللاجئين السوريين، فإن الواقع يكشف استغلاله لمأساتهم لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية. تحول اللاجئون إلى ورقة ضغط سياسية يستخدمها في مواجهة أوروبا والمعارضة التركية، بينما يعيشون في ظروف صعبة وتحت تهديدات مستمرة بالترحيل.
بدلًا من أن تكون تركيا داعمة لحل سياسي للأزمة، أصبحت أحد أبرز الأطراف التي أطالت أمد الصراع، من خلال تدخلاتها العسكرية في الشمال السوري وسياساتها التي عززت الانقسامات العرقية والطائفية.
إعلان نهاية حزب البعث.. استعراض سياسي
خلال خطابه، لم يتردد أردوغان في إعلان أن "حزب البعث أصبح من الماضي"، مشيرًا إلى أن نظام الأسد انتهى. لكنه تجاهل أن حديثه عن نهاية حزب البعث ونظام الأسد ليس سوى محاولة لتغطية فشل سياساته الإقليمية، خصوصًا أن سوريا لم تسقط كنظام فحسب، بل كدولة وسيادة وجيش.
إعادة العلاقات مع دمشق: تناقض صارخ
إعلان أردوغان عن إعادة فتح السفارة التركية في دمشق، يُظهر تناقضاته الواضحة. فبعد أن عمل لسنوات على إسقاط الدولة السورية، يحاول الآن إعادة تموضعه سياسيًا لضمان بقاء نفوذ بلاده في المنطقة. هذه الخطوة تكشف أن تركيا تدرك فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة، وتسعى الآن للعودة إلى الساحة السورية من باب "إعادة الإعمار".
"قفل المنطقة" أم قفل انهيارها؟
يدّعي أردوغان أن تركيا أصبحت "قفل المنطقة"، متجاهلًا أنه كان أحد المفاتيح الرئيسية في انهيارها. تصدير نفسه كزعيم إقليمي لا يُخفي الحقائق الصارخة؛ إذ كانت سياساته أحد الأسباب الرئيسية في تحويل سوريا إلى مسرح للدمار والخراب، وترك شعبها في مواجهة أزمات اقتصادية وإنسانية لا تنتهي.
سوريا اليوم ليست مجرد صفحة طُويت كما يزعم أردوغان، بل هي جرح نازف في جسد المنطقة، ساهمت سياسات أنقرة في تعميقه. وإذا كانت تركيا ترى نفسها قائدة للشرق الأوسط، فإن الشعب السوري لا يرى في أردوغان سوى شريك في معاناته، وداعم للفوضى التي مزّقت بلاده وجعلتها عرضة للاحتلالات والاقتتال الداخلي.