قصب هياكلنا
وعروشنا قصب
في كل مأذنةٍ حاوي ومغتصبُ
يدعو لأندلس إن حُصرت حلبُ ( محمود درويش)
لماذا تسقط الدول ؟ ولماذا يلوح شبح الجماعات والإرهاب الراغبة في السلطة ؟ قبل أن نفكر في كيف تسقط الدول نريد أن نعرف كيف ولدت هذه الدول ؟ ومن أنجبها ؟ ومن أقام الأنظمة وأسس العروش ؟ وهل كانت بحق دول وطنية مدنية إستوعبت الجميع أم أنها تبدو دول وما هي بدول.
كل منطقة في العالم لها تاريخها و جذور للصراع الدائر على أرضها ولا يمكن عقد مقارنات لا تجدي ولا تصلنا لنتائج منطقية ، وما يخصنا الآن دول الشرق الأوسط "التي رسُمت على خارطة بيضاء من قبل سياسيين بريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى . فالعراق وما نسميه الأردن ، على سبيل المثال ، هما اختراعان بريطانيان ، بينما أنشئت حدود المملكة العربية السعودية والكويت والعراق من قبل موظف مدني بريطاني عام ١٩٢٢ ، ورسُمت فرنسا الحدود بين المسلمين والمسيحيين في سوريا ولبنان ".
هذه كلمات السابقة "لدافيد فرومكين من كتابه سلام ما بعد سلام ولادة الشرق الأوسط ١٩١٤ -١٩٢٢" والذي استطرد قائلا : " وقد أعتقدت الدول الأوروبية آنذاك أن باستطاعتها أن تغير آسيا الإسلامية في صميم أساسيات وجودها السياسي ، وإذ حاولت الدول الأوروبية هذا التغيير فقد استحدثت نظام دول مصطنعة في الشرق الأوسط ، مما جعل منها منطقة لبلدان لم تصبح أمما حتى يومنا هذا ، ويبدو لي أن عام ١٩٢٢ كان نقطة اللاعودة من حيث وضع مختلف العشائر في الشرق الأوسط على طرقها المؤدية للتصادم" .
هذه لمحة بسيطة من تاريخ الولادة القيصرية لجنين مبتسر كان لزاما أن يظل في الحضّانة الاستعمارية دون خروج فهو لم يكتمل ولن يكتمل والعبارة الخطيرة التي صكها " فرومكين " بلدان لم تصبح أمما حتى يومنا هذا" تعكس أن ما رسم من حدود لا ترتقي لمعنى الدول الوطنية الحقيقي بل هي مصنوعة ، و ظلت المنطقة بأكملها بؤرة صراع للقوى الدولية على النفوذ والثروة .. أما العروش والأنظمة لم تخرج من عباءة من أنجبها ، وظل الفاعل في الخارج قادر على رسم الخرائط واصطناع الجديد وتغيير القديم أو تفتيته .
هذا الأمر كان مهما للتذكرة لأنه يبدو لدى البعض تصور أن الدول التي أمامنا كانت طبيعية في ولادتها وأنها دول وطنية حقيقية عاش فيها المواطن العربي نعم العدالة والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص ، و في كنف أنظمة رشيدة لم يكن وصولها للسلطة بالاستيلاء وأختيار الاستعمار.
إلا أنه للأسف الشديد التاريخ يخبرنا أن ولادة الدول في الشرق الأوسط لم تكن طبيعية وأنظمته الحاكمة لم تصعد للسلطة بإرادة الشعوب العربية الحرة بل جاءت بالاستيلاء والتنصيب من الخارج ، ومن ثم إن اقتصار واختزال مفهوم الدولة الوطنية في الحفاظ على حدود الخريطة الجغرافية هو اختزال مخل لمعنى الدولة ومفهومها الكبير فالدولة الوطنية في تصوري البسيط ضرورة أن ينعم فيها المواطن بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص وتداول السلطة بشكل سلمي وعدم احتكار السياسة على فئة بعينها مثلما لابد أن ينعم فيها المواطن بالأمان وعدم الجوع ، وفي مفهموم الدولة الوطنية ايضا يقع على كاهل الحكومات والأنظمة أن ترفع المعاناة من على كاهل الشعوب وهو ما لم يحدث في منطقتنا .
معرفة أسرار الولادة كانت مهمة للغاية قبل التفكير والتدبر لماذا تسقط الدول .. واختزال الاسباب وفقا لأهداف سياسية تخدم استمرار وبقاء الطغمة الحاكمة ولا تحاول أن تقترب من أن الدول التي قامت في منطقة الشرق الأوسط لم تكن دول وطنية ولم يشعر فيها المواطن بشيئ سوى الخوف وبطش الحكام والملوك .
ومن ثم ليس غريبا أن الدول التي ولدت قيصرية أن تسقط لأسباب كثيرة منها أنها ليست نتاج حركة الشعوب الطبيعية ، ولم تستطع الخروج من الحضانات فهي ولدت ضعيفة وظلت كذلك تبحث عن من يكون سندها وتلعب على متناقضات القوى العظمى لتستمر الأنظمة في مكانها .
الدول المصنوعة سقطت من داخلها لأنها دول فاشلة وأضعفتها الطوائف وفساد الحكام وحساباتهم الخاطئة ودخولهم في صراعات وحروب ، ولم يكن للشعوب كلمة لم يكون للشعوب وجود مع حزب البعث السوري ، ولم يكن للشعوب وجود مع نظام البعث في العراق والوجود كل الوجود كان للطغمة الحاكمة لبعض الأفراد أو شلة يتداولون فيما بينهم حلولا يفرضونها على الجميع .
وسقط معنى الدولة الوطنية وبالأحرى لم يقم من الأساس حتى يسقط وجاء الجميع من كل حدب وصوب ليقسم المقسم و يجزء المجزء ، وفي ظل هذا المناخ و تحت ظلال التاريخ كان يتم استحضار الإسلام كعباءة على يد جماعات أرادت أن تعود للمجد القديم أو كما يروق لها أن تقدم نفسها أنها ستعيد المجد القديم والحقيقة هي تريد السلطة لتخضع المنطقة بكاملها لحكم ثيوقراطي ممتد حكم إلهي بلا نهاية بطغمة مختلفة "الوشوش" فقط وإنما الاستبداد واحد .
ولا أعرف هل كتبت علينا أقدارنا أن نعيش في أوطان فاشلة وعروش باطشة ومن قصب لا تسطيع أن تحمي نفسها بل عند أول ريح يهب عليها يسقطها .. هل أقدارنا أن نولد على أرض الفتنة فيها مستمرة لا تنقطع .. هل أقدارنا إما أن ننحني للاستبداد أو يكون أمامنا احتلال وتفكك و جماعات تهتف للخلافة هدفها السلطة وأدواتها الرصاص .
هل أقدارنا أن نعيش في تخلف اقتصادي وعلمي وتبعية ولا يوجد مشروع لدولة وطنية قوية تقوم على العدالة والحرية وتداول السلطة بشكل سلمي وتستطيع أن تصمد أمام الرياح.
و لنحلل كيف نشاء وكما نشاء ولكن لا ننسى ونحن نحلل أن الجيوش مهمة للغاية ولكن قدرة الدولة الكاملة هي التي تجعلها عصية على سقوط .. ولا ننسى ونحن نحلل أن من أسباب سقوط جيش نظام بشار الأسد والتي يلعب فيها التدهور الاقتصادي وإنتاج المخدرات داخل فرقة النخبة الرابعة بقيادة شقيقه ماهر الأسد الدور الأكبر في السقوط بخلاف الأسباب الأخرى والتي من بينها أنها لم تكن دولة وطنية .