محافظة الوادي الجديد، وعاصمتها الخارجة، هي أكبر المحافظات المصرية من حيث المساحة، إذ تشغل نحو 44% من المساحة الكلية لمصر، كما أنها الأقل في الكثافة السكانية، بعد محافظة جنوب سيناء، بتعداد سكان، حالياً، يبلغ نحو 270 ألف نسمة. تقع محافظة الوادي الجديد جنوب غرب مصر، وتشترك في الحدود الدولية مع ليبيا غرباً، والسودان جنوبا، وتبعد عن القاهرة بمسافة 600 كيلومتر.
خلال الأسبوع الماضي، شرُفت بزيارة محافظة الوادي الجديد، بدعوة من محافظها، السيد اللواء محمد الزملوط، لإلقاء محاضرة عن حرب أكتوبر 73، في الجامعة الجديدة بها، والتي يرأسها الأستاذ الدكتور عبد العزيز طنطاوي، فانبهرت، في الحقيقة، بمستوى الجامعة الجديدة، المؤسسة في عام 2018، وكانت تضم، حينئذ، ست كليات هي؛ التربية، والزراعة، والآداب، والعلوم، والطب، والتربية الرياضية، قبل إضافة كليتين جديدتين؛ هما الهندسة، والتمريض، والتي تتيح الفرصة لاستكمال الدراسات العليا، فضلاً عن ضم تبعية الجامعة الأهلية لها، المقرر افتتاحها في العام القادم. كان من أسباب انبهاري الاطلاع على مباني الجامعة الجديدة، التي تتماشى مع الاعتبارات البيئية في المحافظة، فضلاً عن التطور الملموس في الاعتماد على أحدث الوسائل التكنولوجية سواء في أساليب التعليم، أو في معامل الجامعة.
لم تقتصر زيارتي على الجامعة، فقط، وإنما حرصت على التعرف على ما تشهده المحافظة من تطوير، فزاد انبهاري برؤية السيد المحافظ وخطته المرتكزة على إحداث نقلة نوعية في المحافظة، من خلال إنشاء عاصمة إدارية، وهي فكرة جديدة، يتم تنفيذها، لأول مرة، في محافظة الوادي الجديد، تعتمد على جمع كافة الإدارات التابعة للوزارات والجهات الخدمية، في منطقة واحدة، للتيسير على المواطن في إنهاء كافة أعماله ذات الصلة بالجهاز الإداري للدولة، مثل مديريات الصحة والزراعة والتعليم والصحة والري، وغيرهم. مع الحرص على تزويد تلك العاصمة الإدارية بأحدث الوسائل التكنولوجية، فضلاً عن اعتماد تصميمها على مفهوم الاستدامة، ومن أمثلة ذلك استخدام نظم الطاقة الشمسية بكل مبانيها، واتساع الرقعة الخضراء بها، التي يمكن لأبناء المحافظة، وموظفي عاصمتها الإدارية، من الاستفادة بها في ممارسة الرياضة، وهو ما تمنيت رؤيته في كل محافظات مصر.
استوقفني كذلك، خلال الزيارة، تركيز المحافظة على السياحة، اعتماداً على مقوماتها، إذ تتميز المحافظة بوجود آثار تمثل جميع العصور التاريخية التي شهدتها مصر؛ الفرعونية، والرومانية، والقبطية، والإسلامية، والبطلمية، لعل من أهمها جبانات البجوات، أحد أقدم المقابر المسيحية في العالم، التي تستدعي جهود وزارة السياحة والآثار لترميمها، وتطوير المنطقة المحيطة بها، وإدراجها على الخريطة السياحية المصرية، والترويج لها كوجهة سياحية عالمية، خاصة وأنها تستقبل، حالياً، الآلاف من السياح كل عام. يوجد بالمحافظة، أيضاً، محمية الصحراء البيضاء، التي تضم أنواع نادرة من الغزلان البيضاء، علاوة على مناظر الصحراء الخلابة، التي يقصدها سياح العالم كله، خاصة الألمان. كما تشتهر المحافظة بأهم ينابيع المياه الحارة والكبريتية، بما يعزز من فرصها كوجهة للسياحة العلاجية. لذا يأمل أبناء المحافظة في تضافر الجهود لإدراج محافظتهم على خريطة السياحة العالمية، والترويج لها كحاضنة لمختلف أفرع السياحة، على مستوى العالم.
كما لاحظت أن شعار المحافظة، المتمثل في النخلة، يأتي اتساقاً مع توجيهات السيد الرئيس للمحافظة بزراعة 5 مليون نخلة، لإنتاج أجود أنواع التمور في العالم، اعتماداً على طبيعة التربة والمناخ والمياه بها، الصالحة لزراعة كافة أنواع النخيل، وهو ما بدأ، بالفعل، بزراعة 2 مليون نخلة، حتى الآن، اعتماداً على أجود شتلات نخيل التمور في العالم. يضاف لذلك من تقدمه محافظة الوادي الجديد، اليوم، من فرص كبيرة للمستثمرين في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي، إذ تتيح المحافظة تسهيلات كبيرة للجادين منهم، وبها مكتب لصندوق الأراضي، يقوم بتخصيص مساحات للمستثمرين تبدأ من 200 فدان، مزودة بآبار مياه تكفي لري تلك المساحة، ومضاعفاتها، كما تتيح المحافظة فترة سماح، تمتد إلى عامين، لا يدفع فيها المستثمر أي مقابل مادي عن الانتفاع بالأرض، لحين بدء الإنتاج. بل وإضافة لذلك، يوفر المكتب للمستثمر الدراسات العلمية اللازمة لتحديد الأسلوب الأنسب لاستخدام تلك الأراضي، علماً بأن الأراضي صالحة لإنتاج أجود المحاصيل من التمر والزيتون.
ولقد اطلعت بنفسي على المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية، المخصصة للمستثمرين، الذين نجحوا، حتى الآن، في زراعة 25 ألف فدان من الزيتون، من أجود الأصناف العالمية. كما تتبنى المحافظة مشروع زراعة التوت، ضمن مبادرة إنتاج الحرير الطبيعي. والحقيقة أن المحافظة، وقيادتها، اتجهت للاعتماد على الاستثمار كأساس للتنمية الحقيقية، في ظل ما تمتلكه من مقومات متنوعة، تناسب مختلف مجالات الاستثمار، وفي سبيلها لجذب مختلف أحجام الاستثمار، فإن المحافظة لا تأل جهداً في تقديم التسهيلات اللازمة لمختلف المجالات الاستثمارية المتاحة بها. وبالتوازي مع ذلك، فقد اهتمت المحافظة بالتعليم، حيث اتخذ المحافظ قراراً بتقديم حوافز للطلبة لتحفيزهم على عدم الغياب عن الدراسة، من ضمن تلك الحوافز توفير الزي المدرسي بالمجان لجميع طلبة المحافظة، وإقامة فصول تقوية مسائية للطلبة للقضاء على الدروس الخصوصية، التي ترهق كاهل الأسر المصرية.
إن ما تشهده محافظة الوادي الجديد، حالياً، هي طفرة نوعية، لم تشهدها من قبل، كفيلة بأن تجعلها نموذجاً يحتذى به في توطين النمو والتنمية، من خلال الاعتماد على مقوماتها الطبيعية في مجالات الاستثمار الزراعي والسياحي، وهو ما سيضمن بقاء تلك المحافظة "جديدة" فعلاً، وليس اسماً فقط.