في افتتاحية صحيفة هآرتس العبرية، هاجمت الصحيفة بشدة الحكومة الإسرائيلية الحالية، مشيرة إلى أن إسرائيل تمر بمرحلة من الانحطاط الأخلاقي لم يسبق لها مثيل. ووصفت الصحيفة الدولة بأنها "غارقة في انتهاكات حقوق الإنسان" وأن زعماءها يواجهون اتهامات خطيرة من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا سيما في قطاع غزة.
أعربت الصحيفة عن أسفها لاستمرار القتال في غزة وسط دعم شعبي وإعلامي واسع للحكومة المتطرفة. وأضافت أن هذا الدعم يُمكّن حكومة بنيامين نتنياهو من مواصلة سياساتها العدوانية، مدفوعة بتوقعات بأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المعروف بتحالفه مع اليمين الإسرائيلي، سيمنحها غطاء دولياً للاستمرار في هذه السياسات.
علاقة متوترة بين نتنياهو وهآرتس
لطالما كانت صحيفة هآرتس العبرية، التي تمثل التيار اليساري في إسرائيل، شوكة في خاصرة الحكومات اليمينية المتعاقبة. ومع تصاعد قوة التيار اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو الحالية، تصاعدت التوترات بين الطرفين، حيث أعلنت حكومة اليمين المتطرف مؤخراً مقاطعتها للصحيفة، متهمة إياها بتقويض أمن الدولة وتشويه سمعة الجيش الإسرائيلي في الداخل والخارج.
حكومة نتنياهو: منابر التشدد وتحالف المصالح
تتميز حكومة نتنياهو الحالية بتركيبتها الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تضم شخصيات من التيار الصهيوني الديني واليمين القومي المتشدد. هذه الحكومة ليست فقط متهمة بإدارة حرب على الفلسطينيين، بل بتقويض أسس الديمقراطية الإسرائيلية من خلال إضعاف القضاء، وتهميش الإعلام المستقل، وملاحقة الأصوات المعارضة.
في هذا السياق، تتعامل حكومة نتنياهو مع هآرتس بوصفها عدوّاً سياسياً، متهمة إياها بالتحريض ضد الجيش وزرع الشكوك حول شرعية قرارات الحكومة. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية والمحلية التي تواجهها حكومة نتنياهو، تستمر في الاعتماد على دعم جمهور يميني متشدد ووسائل إعلام داعمة، مما يعزز انغلاقها على أي خطاب نقدي.
صدام القيم بين الحكومة والصحافة
يمثل الصراع بين حكومة نتنياهو وصحيفة هآرتس انعكاساً لصدام أعمق في المجتمع الإسرائيلي بين قيم الديمقراطية والعدالة التي تدافع عنها بعض الأوساط اليسارية، وبين النزعات القومية والدينية التي تهيمن على الحكومة الحالية. هذا الصراع يعكس أزمة الهوية التي تواجهها إسرائيل كدولة تدعي الديمقراطية بينما تواصل انتهاك حقوق الفلسطينيين واستهداف الإعلام الحر.
تحذيرات هآرتس من الانحدار الأخلاقي في إسرائيل ليست بالجديدة، لكنها تأتي اليوم في وقت تواجه فيه الحكومة تهديدات دولية حقيقية، بدءاً من مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وصولاً إلى تصاعد الانتقادات من المنظمات الحقوقية الدولية. ومع ذلك، يظل السؤال: هل يمكن لهذا الضغط الخارجي أن يُحدث تغييراً في سياسات الحكومة، أم أن الدعم الداخلي الكبير سيمكنها من تجاهل هذه التحذيرات والمضي قدماً؟
تُعد افتتاحية هآرتس صرخة تحذير من مخاطر استمرار سياسات حكومة نتنياهو على الأخلاق العامة لإسرائيل وعلى مكانتها الدولية. في ظل الانقسام الحاد بين التيارات السياسية والإعلامية، تبدو إسرائيل اليوم في مفترق طرق أخلاقي وسياسي. فبينما يواصل اليمين المتطرف تعزيزه لسياسات القوة، تبقى الأصوات اليسارية مثل هآرتس حاملة لراية القيم الديمقراطية والعدالة، حتى وإن وُصفت بالخيانة من قبل الحكومة.