مختار محمود
ظاهرة "علمنة الإسلام وأسلمة العلمانية"، التي تختفي وراء دعاوى التجديد الذى يرفع لواءه غربان العلمانية، فكرة شيطانية، ولكنها تحملُ في داخلها مقوماتِ فشلها الذريع؛ فكيف يُمكنُ أن يُوصَفَ الإسلامُ بأنه "دينُ علمانيٌّ" دونَ أن يعني ذلك أنه دينٌ يلغي نفسَه بنفسِه؟!
إنَّ علمانية الإسلام المزعومة، تتلخص في أنه دينٌ ليس له قوامٌ أو كيانٌ أو هوية مُميزة تُفرَضُ على الحياة وتُسيِّرُها، بل هو خاضعٌ للتشكُّل والتغيير والتبديل إلى حد الإلغاء والعزل من الوجود، وهذا هو الهدف الحقيقي لأصحاب تلك الدعوى المأجورة.
إضفاءُ صِبغة العلمانية على الإسلام، تلغيه وتخصمُ من رصيده لمصلحة العلمانية؛ وهذا ما يطمحونَ إليه؛ لأنَّ جوهرَ هذه العملية الفكرية المُعقدة، هو إفراغٌ مُنظَّمٌ لجميع المبادئ والقيم والمفاهيم الإسلامية من مضامينها الثابتة والمستقرة، واستبدالها بمضامينَ علمانيةٍ مُتغربة تناقضُ معناها، أو تركها خاوية مائعة؛ لتتخذ بعد ذلك شتى المضامين.
سوف أضربُ لك الأمثال بمفهوم "الاجتهاد"، الذي يحيد عن معناه الشرعي في الإسلام؛ ليُصبح في عقيدة العلمانيين: "أداة لتطويع أحكام الإسلام الشرعية؛ لتتناسبَ وتتوافقَ مع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغربية العلمانية"، فيُصبحُ كل حرامٍ حلالاً، وكلُّ مذمومٍ محمودًا.
إنَّ الإصرارَ المُخادعَ على عملية التداخل بين الإسلام، باعتباره دينًا سماويًا، وبين العلمانية، بوصفِها منهجًا بشريًا سُفليًا غوغائيًا، يهدفُ إلى تذويب الأول في الثاني، وإلغائه تدريجيًا؛ حتى تصبحَ المجتمعاتُ المُسلمة، بلا دينٍ حاكمٍ، وتشيع الفوضى الأخلاقية بين أبنائها.
قد تسألُ: وما الهدفُ من علمنةِ الإسلام أو أسلمةِ العلمانية؟ والإجابة باختصار: هو استمرارُ الحربِ الفكرية ضدَّ الإسلام من خلال تجريده من الطابع المُقدس، ونزع أي روابطَ تصله بالوحي الإلهي المُنزَّل ثابتِ الصياغة والتحقُق، وهى المعاني التى يذخر بها كثيرٌ من المقالاتِ والحواراتِ والمُعالجاتِ الصحفية والإعلامية التي تخوضُ مع الخائضينَ فى هذا المضمار، إما عن جهل مُطبق، أو سوء نية مُحكم.
هم يقصدونَ بـ"علمنةِ الإسلام" اعتبارَه غيرَ مُحدد الملامح والقسمات، وأنه قابل للتغيُّر والتشكُّل وفقَ الظروفِ والأحوال الجغرافية والتاريخية، وأنه يتركُ مساحاتٍ واسعة من الشؤون الحياتية مفتوحة لكلِّ اجتهادٍ ورأيٍ أيًّا كانَ، دونَ ضوابطَ حاكمة. الطرحُ، الذي يبدو في ظاهره وكأنه يتوافق مع الأصل الإسلامي الذي يربطُ بين الدين والدنيا، يرمي إلى تأسيس فصل الدين عن الحياة من خلال تمييع الإسلام نفسِه، وتقليص مساحته، وردِّه إلى مجرد كيان هُلامي شفَّافٍ أقربَ إلى العدم، يتشكلُ مع كلِّ ظرفٍ وحالٍ؛ حتى لا يكونَ له وجودٌ مُستقلٌ أو مُميزٌ أو هويةٌ!
الذين يحاولون الآنَ الربطَ بين الإسلام، وبين العلمانية كـ "بديل"، هم أنفسُهم الذين احتشدوا من قبلُ وسوف يحتشدون لاحقًا لرمي الإسلام بكل نقيصة، وإهانةِ المسلمين القدامى والمُعاصرين والتحقير منهم، والتشكيك في القرآن الكريم والتحريض عليه، وإهالة التراب على السُنة النبوية الشريفة وتفكيكها، والنيل من جميع الثوابت الدينية الإسلامية والتهوين منها، والتهويل من التهوين منها، في مقابل التعظيم والتفخيم للعلمانية واعتبارها: "دين الأديان" و"قدس الأقداس"!