هذا ليس هزلاً في موضع الجَد، بل إنه الجَد بعينه، ومن لزوم ما يلزم، ولا أظن أن أحدًا من الراشدين يخالفني الرأي فيه. إن كثيرًا من المعطيات والمستجدات والمقدمات تقود إلى نتيجة حتمية، وهي انضواء نقابة محفظي وقراء القرآن الكريم تحت مظلة الاتحاد العام للغرف التجارية؛ بحيث تصبح شُعبة من شِعابه المُتعددة. دعونا ابتداءً نفصِّل القول تفصيلاً، ونطرح حيثياتنا، وليكُن الحُكم بعد المرافعة..عفوًا بعد المطالعة!
أنشئت نقابة محفظي وقراء القرآن الكريم في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. المادة الرابعة من قانون إنشاء النقابة نصَّت –من ضمن ما نصَّت- على أنها سوف تعمل على النهوض بمستوى حفظ وتعليم القرآن الكريم، ونشر الدعوة إلى تحفيظ القرآن الكريم وأحكام تلاوته، والمحافظة على التراث الإسلامي في أحكام تلاوة القرآن الكريم والالتزام بقواعده الشرعية المقررة في علوم القراءات، وللنقابة إبلاغ الجهات المختصة بمخالفة أحكام التلاوة، وتنشيط الدراسات الدينية المتصلة بالقراءات وتشجيع القائمين بها، ورفع المستوى العلمي لأعضاء النقابة، وتوثيق العلاقات مع النقابات والجمعيات والروابط المماثلة في الخارج وخاصة البلاد العربية والإفريقية والإسلامية، والتقريب بين أعضاء النقابة في الداخل وبينهم وبين زملائهم في الخارج بما يخدم علم قراءات القرآن الكريم.
القاصي والداني يشهدان معًا على أن النقابة حادت عن الجادَّة، وانحرفت عن الصواب، ولم تفعل شيئًا مما تقدم وألزمها به القانون، بل أسهمت -بشكل أو آخر- في تقويض ما تبقى من أعمدة دولة التلاوة المصرية؛ حتى أنه لم يعد يصلح معها تنكيس أو ترميم. ويعلم القاصي والداني أيضًا أن المال فقط أصبح هو المسيطر على وجدان أعضاء النقابة، لا سيما المشاهير منهم والمسيطرين على مقاليد الأمور فيها. ويدرك القاصي والداني أيضًا أن مجال تلاوة القرآن الكريم في مصر تحول إلى "بزنس" بغيض جدًا، وأصبحت هناك مافيا شرسة، من لم يعمل بقانونها وتحت سلطانها ووصايتها، يتم طرده وتهميشه وتقزيمه وتجريسه؛ ليكون أمامه أربعة احتمالات لا خامس لها: فإمَّا يجلس في البيت، وإمَّا يُهاجر مغاضبًا، وإما يُجاري أموره، فينحرف في المحافل الشعبية وينضبط في المناسبات الرسمية، وإمَّا يموت كمدًا، وحينئذ لن يجد ذووه من يقرأ في عزائه مجاملة أو مجانًا!
في المقابل..فإنَّ الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أنشيء سنة 1933 بالقانون رقم 14 لسنة 1933، تبعه القانون رقم 30 لسنة 1940، ثم القانون 189 لسنة 1951، ثم القانون رقم 6 لسنة 2002، ويهدف إلى العناية بالمصالح المشتركة بين الغرف التجارية المصرية المختلفة وتنسيق جهودها والنهوض بها. يُعد الاتحاد همزة الوصل بين الغرف التجارية والجهات الحكومية الرسمية ممثلة في وزارة التجارة والصناعة، ويضم الاتحاد 27 غرفة تجارية في جميع المحافظات المصرية، ويهدف إلى الإسهام في تحديث وتنمية التجارة الداخلية وتطوير أنظمتها وتطوير مناخ الاستثمار، وتأهيل القطاع التجاري للتعامل مع المستجدات التي تشهدها الأسواق المحلية، ودعم القدرة التنافسية للمنشآت التجارية وتأهيل الكوادر البشرية اللازمة لإدارتها.
ولمَّا كان كلٌّ من: النقابة والاتحاد يتقاطعان في أمور البزنس والمال والتجارة، ولأنَّ مجال التلاوة تحول خلال السنوات الأخيرة إلى "تجارة بحتة"، واستثمار ضخم لا يعرف الخسارة، ويستفيد منه كثيرون؛ ولأنَّ الاتحاد أقدم عمرًا من النقابة وأكثر فروعًا منها، فما الذي يمنع أن تكون النقابة الشعبة الثامنة والعشرين بالاتحاد؟! ربما عندما تنضم النقابة إلى الاتحاد تكون أكثر تنظيمًا وربحية وعائدًا، وهو ما تتوق إليه نفوس قراء هذا الزمن، ويناضلون من أجله، ويستعينون في سبيله بـ"كلافين" و"سماسرة" و"فراشين" و"شماشرجية" ولجان إلكترونية محلية وخارجية. المشايخ قد يعارضون مثل هذه الخطوة التاريخية، ويلوحون بالتوقف عن القراءة، وهذا أمنية تراود الكثيرين وأنا منهم؛ لسبب وحيد، وهو أنها قد تُخضعهم لسلطان الضرائب وما أدراك ما الضرائب التي يفرون منها، كما يفر الإنسان من الموت!! معًا لانضمام نقابة القراء إلى اتحاد الغرف التجارية!