رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

مختار محمود يكتب: القرآن الكريم حاكم وليس محكومًا!

المصير

الخميس, 24 أكتوبر, 2024

07:31 م

يحتجُّ بعض المزايدين بأخطاء الأقدمين -المحدودة جدًا وغير المقصودة، وقد لا توجد إلا في خيالاتهم المريضة- إن تحدث القوم عن الخطايا الفضائحية للجيل الحالي من قراء القرآن الكريم الذين بالغوا في الإساءة والتقصير، فإن قيل مثلاً: إن فلانًا اقترف خطًيئة أثناء تلاوة كتاب الله؛ ليتداركها في قادم المواعيد، تجد من يزايد مُرددًا: إن فلانًا أيضًا أخطأ من قبل، رغم أنه لا وجه للربط بين الواقعتين، وكأن الأصل في قراءة القرآن الكريم الخطأ واللحن والعبث والإهمال، وليس الإتقان والانضباط والالتزام والوقار!


لقد تنزَّل القرآن الكريم على قلب نبي الإسلام قبل أكثر من 1400 عام، وليس القرن الماضي، حتى يكون ما حدث من سهو من قراء الرعيل الأول –إن وُجد- مبررًا وحُجَّة لما تشهده الساحة حاليًا من تجاوزات صاخبة لا تليق، ساعد على تفاقمها نقابة مُغيبة، وقراء لاهون لاهثون وراء المال والشهرة، وذائقة شعبية رديئة عاجزة عن التمييز بين الخبيث والطيب، ولا يستوي الخبيث ولا الطيب، وإن أعجبك كثرة الخبيث!.


ربما لَحَن أحد القراء القدامى تحت أي ظرف، ثم سرعان ما تدارك خطأه واعتذر عنه، ولم يكرره، كما إنه ليس معهودًا عنه السهو أو الخطأ في كتاب الله، وليس هناك بشر معصوم من النسيان، ولكن هل يكون ذلك بابًا لتمكين الجُهال وضعاف الحفظ والفهم والأحكام من دكة التلاوة؛ ليعبثوا بآيات الذكر الحكيم أيَّما عبث، وكيفما أرادوا، وكيفما خطط لهم الفراشون والصييتة والمرتزقة، ثم إذا ما نبههم أحد أن اتقوا الله في كتابه وقدروه حق قدره، استدعوا واقعة قديمة، أو اختلقوها؛ ليبررو سفاهاتهم الممجوجة وضعفهم غير المتناهي، وسوء أدبهم مع مُحكم التنزيل.



الواقعة المنتشرة في أحد العزاءات “وحدوه يابهايم”


تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي -خلال الساعات الأخيرة- واقعة مؤسفة، بطلها قارئ يصف نفسه بأنه "أغلى قارئ في مصر"، وقارئ مصر الأول"، وألقاب أخرى فخيمة، حيث انفجر في الضحك أثناء التلاوة عندما صرخ أحد الصييتة في الحاضرين: "وحدوه يا بهايم"! لقد ارتضى الشيخ هذا الوصف لمستمعيه، وتبسَّم ضاحكًا من قوله بملء شدقيه المنفوخين، وكأنه ليس في محفل قرآني يجب أن يلفه الخشوع ويسكنه الوقار، وإنما في افتتاح "حظيرة بهايم"، أو مناسبة مُقامة تحت رعاية إحدى حدائق الحيوان!.


ورغم سخافة الواقعة إلا إن القارئ احتفى بها على حساباته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي التي تُدار من لندن! والأدهى من ذلك كله ادَّعاء بعض المزايدين –في سياق الدفاع عنه والتبرير له- بأن محافل أحد القراء القدامى كانت تشهد صخبًا مثل هذا.

 والأمر لا يحتمل نقدًا أو انتقادًا!! وإذا سلَّمنا بهذه الفرضية "الآثمة" و"المغلوطة"، وهي قد تكون –في الأساس- ملفقة أو مبالغًا في وصفها وتوصيفها، فهل يكون ذلك مبررًا ومسوغًا للغلط والخطأ, وهل إذا أخطأ أحد الأولين –مهما بلغ شأنه وتعاظم شأوه- كان ذلك شِرعة ومنهاجًا لاستمراء الخطأ ومضاعفته من بعده؟!.


وإذا تحدث غيور عن أخطاء القراء "الإذاعيين" في تلاوة القرآن الكريم، وبعضُهم يقرأ من المصحف المفتوح أمامه، بما يعكس عدم جدارته من الأساس في المرور بجوار ماسبيرو، يقطع مزايد آخر عليه الطريق، زاعمًا أن القراء القدامى أخطأوا أيضًا!! إنه منطق شيطاني رخيص ومذموم ويعكس احترامًا وتقديرًا للقاريء كثير الخطأ، واستخفافًا بكتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..يخشوَن الناس والله أحق أن يخشوه!.

 كيف يُقارَن سهو الأقدمين بهذا "العجن العفِن" في القراءة والأحكام والوقف والابتداء؟ مقارنة ظالمة متعسفة لا يجيد عقدها سوى المزايدين والمرتزقة وخبثاء القلوب والوجدان والضمائر! إن القرآن الكريم يجب أن يكون حاكمًا وليس محكومًا بما يستبيحه الأراذل والأصاغر لأنفسهم!.


في زمن سابق..لم يكن يرتقي دكة التلاوة إلا قارئ مُجيد مُتقن، ولا يتم تمرير قارئ "إذاعيًا" إلا إذا كان قد أتمَّ حفظ كتاب الله عن ظهر قلب، وأتقن تلاوته بالقراءات والروايات أيَّما إتقان، فضلاً عن عديد من السِّمات الشخصية الإيجابية. قاريء القرآن الكريم يجب أن ينأى بنفسه عن مظاهر الفخر والمباهاة والغرور والعنجهية، وأن يتسم أداؤه بالخشوع والتدبر والإخلاص، وألا يشغل نفسه بهتافات صفيقة ومدح زائف، وأن يبتعد عن التكلف والتنطع. 



أمَّا الاستماع إلى القرآن الكريم.. فإنَّ له آدابًا صارت مهجورة، أبرزها: أن يستمع المستمع إلى القرآن الكريم بسكينةٍ وإنصاتٍ، ويتفكر فيما يسمعه؛ ليكون ذلك عونًا له على الخشوع والتدبر، وألا يُحدث صخبًا أو يشارك فيه، ولو بمدح القارئ والثناء عليه، وأن يتفاعل مع ما يسمعه من آيات القران الكريم، فإذا استمع إلى آية بشارة سأل الله إياها، أو آية عذاب تعوَّذ بالله منه. يقال إن عديدًا من المحافل القرآنية تشهد ما تشهده الأفراح الشعبية من تجاوزات أخلاقية تحت سمع وبصر القراء الذين لا يهمهم في الأخير سوى أجره! تحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم.