يوجع قلبي استمرار حبس واحتجاز الشاب أشرف عمر، رسام الكاريكاتير الواعد، الذي أصبح من مشروع فنان يقتفي أثر كل من سبقوه حتى يصنع اسمه ويحفر تاريخه المهني؛ نجمًا تتوقف عنده بعض الدوريات المتخصصة في هذا اللون من التعبير الساخر بالريشة، وتتناوله بيانات المؤسسات المعنية بملف حرية التعبير.
وأندهش بإعجاب كيف تصنع بعض هذه الأزمات من زوجة شابة فاجأها نزع زوجها من بيته لمجرد أنه يمارس مهنته؛ نموذجًا للصمود والصبر والافتخار والمساندة وهكذا نكتسب ندي مغيث أو بمعنى ادق نكتشفها . وكيف تضيف كلمات حماه الدكتور كمال مغيث من عمق ورؤية والتعامل بأبوةٍ وحنو وإضفاء الخبرة، وهو الذي ينتمي لأسرة من المثقفين وأصحاب الانتماء الوطني، والمواقف المشرفة في كل موقع تولوه، وكل مهمة قاموا بها.
ويعود بي شريط من الذكريات ويتوقف عندما التقيت الفنان بهجت عثمان بمنزله بالمنيل بصحبة أخي الفنان سعد الدين شحاتة، الشاعر ورسام الكاريكاتير، الذي أراد أن يتعرف عليه بعد أن شاهد رسومه المتميزة في الأهرام، وعرف أننا تجمعنا صداقة.
كنت قد عرفت الفنان بهجت عثمان عن قرب عام 1985، عندما جمعنا وفد من مصر شارك في مهرجان عالمي للشباب بموسكو، كان يضم- مع قطاع واسع من الشباب- رموزًا سياسية وفكرية وثقافية أذكر منهم فريد عبد الكريم ونبيل الهلالي وجلال عارف وعبد الرحمن الأبنودي، وبالطبع بهجت عثمان، الذي اقتصر جدول أعماله اليومي خلال مدة المهرجان على حمل أوراقه وأدوات رسمه صباحًا ليجوب شوارع موسكو، التي كانت تكتظّ بآلاف الشباب من كافة أنحاء العالم، ويسجل بفرشاته كلّ الانفعالات والوجوه والطقوس.
في هذا اللقاء بمنزله احتفى الفنان بهجت بالصديق سعد الدين على طريقته الساخرة والحادة والإنسانية، بعد الثناء على شغله، وقد صارت بينهما بعد هذا اللقاء صداقة خاصة وكأنها امتداد لعقود من المعرفة.
امتد الحديث لشجون كثيرة حول مساحة الحرية المتاحة والتضييق على رسامي الكاريكاتير بالصحف، والتي امتدت لبعض صحف المعارضة، التي بدأ بعض رؤساء تحريرها في ذلك الوقت يمارسون الرقابة الذاتية والتفتيش في الأفكار.
أبدى قلقه على فن أحبه ودافع عن قناعات ومواقف دفع ثمنها، إلا أن إيمانه بالمستقبل وبالأجيال الجديدة لم يتزعزع وأذكر- وهو يبدي حماسًا شديدًا لأسلوب سعد المتميز والخاص- أنه ذكر شغل عمرو سليم بمديح وكان وقتها آخر العنقود في هذا المجال، وقال عنه: "أفكاره جريئة وشجاعة ومشاغبة وهذا أهم ما يميز رسام الكاريكاتير".
أتذكر الآن هذا اللقاء وهذا الجيل المحترم من الذين ينتسبون لهذا الفن العظيم، الذي كان يعقوب صنوع أول من أدخله للصحافة المصرية عام ١٨٨٧، ثم تقدم صاروخان، ورخا وطوغان،وعبد السميع، وحسن حاكم، وزهدي العدوي، وصلاح جاهين، وبهجت عثمان، وحجازي واللباد، وجمعة فرحات، ورؤوف عياد، والليثي، ومحمد عفت، ورجائي ونيس وريشة مصطفى حسين مع الساخر أحمد رجب، إلى آخر هذه السلسلة الطويلة من هؤلاء الموهوبين الذين رحلوا ليتركوا لنا معينًا لا ينضب من المبدعين الموهوبين الذين يحفرون في الصخر كي لا يندثر فنهم.
وهنا أتوقف وأتساءل: هل أدت الجرأة والمشاغبة التي اعتبرها بهجت عثمان أهم أسباب نجاح أي رسام كاريكاتير إلى محاسبة الشاب أشرف عمر الذي ما زال رهن الاحتجاز منذ 22 شهر يوليو وحتى الآن؟!
أشرف عمر هو ابن فن عمره من عمر الحضارة المصرية، وينتمي لشعب يتميز بخفة الدم ويتغلب على همومه وعلى أحواله بالسخرية، بل وأصبحت هذه وسيلته وحيلته على مدى عصور وعهود للمقاومة الصامتة والناطقة في آنٍ!
استمرار احتجاز أشرف كل هذه الشهور رسالة خاطئة وسلبية تكشف عن ضيق صدر، بل وضيق أفق، فكم من مسؤولين حكموا مصر كان أول اهتماماتهم- عندما يبدأ صباحهم- معرفة ما هي آخر نكات المصريين عليهم، وعُرف عن جمال عبد الناصر- كمثال- أنه كان شغوفًا بهذا الأمر، وكانت النكات أول ما توضع في كشف العرض عليه صباحًا، وكان أحيانًا يبتسم من خفة دم النكتة، وكثيرًا ما كان يعلق "الرسالة وصلت"!