رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

عض قلبى ولاتعض رغيفى.. رحلة الخبز ”الثمين” من ”قرش” عبد الناصر إلى ثمن سيجارة!

المصير

الجمعة, 31 مايو, 2024

07:59 م

كتب - شريف سمير :

عاش رغيف الخبز رحلة مكوكية عجيبة ومثيرة في فضاء الدعم الحكومي، ودار الملايين من المصريين في فلك الدولة للحصول علي "القرص الثمين" بأرخص سعر .. وعلى مدار سنوات طويلة، كانت محاولات الحكومة المصرية لتقليص الدعم عن كثير من السلع الرئيسية، لكن دوما ما كانت الحكومة تتجنب رفع سعر رغيف الخبز، نظرا لحساسية هذا الأمر بالنسبة للمواطن المصري على مر السنين.

** زعيم الفقراء!

وفي "الميثاق"، مبادئ دستور ثورة 23 يوليو 1952، كتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر: "إن حرية رغيف الخبز ضمان لابد منه لحرية تذكرة الانتخابات"، وذلك ما جاء في كتاب فلسفة الثورة لجمال عبد الناصر .. ومن أشهر مواقف زعيم الفقراء، ما ذكره سامي شرف، مدير مكتب جمال عبد الناصر في مذكراته راويا :"في أحد اجتماعات مجلس الوزراء طلب مني الرئيس عبد الناصر إحضار أرغفة الخبز التي كنت قد جمعتها من عدة مخابز بالقاهرة وطلب مني وضعها على طاولة الاجتماعات وهنا وجه كلامه لوزير التموين كمال رمزي استينو وقال له: "تقدر تأكل العيش ده؟ فأجابه وزير التموين بالنفي، وهنا قال له عبد الناصر "سأعطيك مهلة 72 ساعة حتى يتحسن الخبز وإلا سيكون حسابي شديدا"، ولم يطلب عبد الناصر من كمال رمزي زيادة سعر الرغيف .. ومنذ هذه اللقطة وزاد سعر الخبز لأول مرة منذ سنوات طويلة عام 1968، في عهد الناصرية من 5 مليمات إلى قرش واحد، وظل ذلك السعر ثابتا 16 عاما!.

** انتفاضة يناير!

وكانت بداية الاشتباك مع أفواه البسطاء بعود الثقاب الذي أشعل "انتفاضة الخبز" فى عام 1977، واتخذت الحكومة المصرية حزمة من القرارات لخفض الدعم على سلع أساسية من بينها الخبز في عهد الرئيس السادات، مما أدى إلى أحداث شغب قبل أن تتراجع الحكومة عنها بسبب الضغط الشعبي .. وحافظ سعر الرغيف المدعوم علي ثباته في سبعينيات القرن الماضي عند نصف قرش فقط حتى منتصف عام 1980، عندما قررت الحكومة زيادة سعره إلى قرش واحد.

** محطة ال 5 قروش!

وفي عام 1984، دفعت إصلاحات جديدة لحكومة الرئيس الراحل حسني مبارك لرفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى قرشين، واستقر عند هذا المستوى حتى عام 1988 حينما تقرر زيادة سعره إلى 5 قروش .. وتوقف السعر عند هذا الرقم على مدار 36 عاما حتى وقتنا الحالي، رغم التضخم المتكرر والأزمات الاقتصادية العالمية، وغيرها من أزمات اقتصادية مرت على مصر خلال ثورتي 25 يناير 2011، وما تلاها من أحداث، وثورة 30 يونيو 2013.

** تحرير سعر الصرف!

ولدى تحرير البنك المركزي المصري لسعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي عام 2016، وما تلاه من ارتفاع كبير في أسعار جميع السلع والخدمات، إلا أن الحكومة المصرية لم تقدم على خطوة تحريك سعر رغيف الخبز المدعم أثناء هذا الظرف الكبير .. حتي جاء عام 2021، وطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تحريك سعر رغيف الخبز قائلا: "جه الوقت إن رغيف العيش أبو 5 صاغ يزيد ثمنه .. مش معقولة أدى 20 رغيف بثمن سيجارة".

** سياسة التحريك!

ومؤخرا اقترحت حكومة مصطفى مدبولي تحريك سعر رغيف الخبز المدعم أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنه دائما ما كان يواجه الاقتراح برفض شعبي كبير، وغالبا ما كانت تخرج النخبة من المثقفين على وسائل الإعلام المختلفة لتحذر الحكومة من تبعات هذا القرار على الدولة المصرية، لتؤجل بعدها الحكومة قرارها إلى وقت آخر .. ولكن حكومة مدبولي باغتت الشارع المصري برفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشا اعتبارا من أول يونيو المقبل، وبرر رئيس الوزراء القرار بأن سعر رغيف الخبز المدعم لم يتم تحريكه منذ أكثر من 30 عاما، وخلال تلك الفترة تضاعف السعر عدة مرات، لافتا إلى أن تكلفة رغيف الخبز على الدولة هي 1.25 جنيه بينما تبيعه بـ 5 قروش فقط.

** 100 مليار رغيف!

120 مليار جنيه قيمة دعم الخبز سنويا .. هذا ما أراد رئيس الوزراء أن يقدمه للشعب من حجج وبراهين بأن قيمة الدعم السنوي للخبز في مصر تبلغ 120 مليار جنيه، والإنتاج اليومي يصل إلى 100 مليار رغيف، مؤكدا أن حكومته تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقة، وتعهد بأن الدولة ستظل ملتزمة بالدعم ولا سيما على السلع الأساسية، وأن ما يجري هو محاولة لترشيده فحسب انطلاقا من أن الدعم النقدي لن يكون رقما ثابتا بل سيرتبط بمعدل التضخم والأسعار العالمية .. وفي انتظار ما يمكن أن تسفر عنه هذه المحطة الأخيرة من نتائج، فهل يتوقف السعر ويكون مضادا للتحريك لمدة 30 عاما أخري .. أم سيسير المصريون في فلك "رحلة مكوكية" جديدة فوق سفينة "القرص البني"؟!