كتب - شريف سمير :
وكأنه فى حلبة ملاكمة شرسة، تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة ضربات عنيفة طرحته أرضا أمام خصوم المعارضة في الانتخابات المحلية الأخيرة لتغطس الخسارة على فوزه فى سباق الرئاسة والبرلمان، وجاءت خسارته لمعركة البلديات، بمثابة "زلزال سياسي" فاجأ حزب العدالة والتنمية الحاكم، بدرجة لا تختلف في شدتها عن زلزال كهرمان مرعش الذي ضرب تركيا فبراير 2023، وترك بصماته على نتائج الانتخابات الأخيرة، من خلال تعميق جراح ونزيف الأزمة الاقتصادية الحادة التى تضرب البلاد مؤخرا.
** البداية من أسطنبول!
وتجرع "العدالة والتنمية" التركي مرارة كأس "أسوأ هزيمة" في تاريخ حكمه للبلاد منذ عام 2002، حيث حلَّ ثانيا بعد حزب الشعب الجمهوري المعارض، بعد فشله في استرداد السيطرة على البلديات الكبرى، بل وخسر بلديات كان يحكمها في السابق، وحصلت المعارضة على 37.1 بالمئة من الأصوات مقابل 35.9 بالمئة من نصيب الحزب الحاكم، وشهدت تحديدا جولة إسطنبول التي حشد "العدالة والتنمية" كل وسائله للفوز بها، تقدم عمدتها القيادي في "الشعب الجمهوري" المعارض أكرم إمام أوغلو، بفارق 10 نقاط على مرشح تحالف الشعب الحاكم (المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) مراد كوروم.
وامتدت توابع الزلزال المدوي إلى العاصمة أنقرة، حيث تم انتخاب رئيس بلدية أنقرة الحالي، والقيادي البارز في "الشعب الجمهوري"، منصور يافاش، رئيسًا للبلدية، للمرة الثانية، بعدد قياسي من الأصوات، متفوقا بحوالي 28 نقطة على تورجوت ألتينوك، مرشح التحالف الحاكم.
** زلزال الاقتصاد الجريح!
وبمجرد أن أقر الرئيس التركي أردوغان، بالتراجع، وقال في كلمة أمام أنصاره بأنقرة: "لم نحقق النتائج المرجوة من الانتخابات المحلية، وسنحاسب أنفسنا، وسندرس الرسائل الصادرة عن الشعب"، انطلقت التحليلات للمشهد فى محاولة لتفسير أسباب الانهيار والسقوط المؤلم لأكبر حزب استطاع أن يحكم قبضته على السلطة لأكثر من 22 عاما، وقال المحلل السياسي التركي، محمود علوش، إن ورقة "الصوت الكردى" المعارض لسياسة أردوغان رجحت كفة خصمة إمام أوغلو فى أسطنبول باعتبارها الرئة الأولى الأقوى تأثيرا لتنفس أوكسجين الانتصار فى أى معركة انتخابية، فيما عزا
فريق آخر من المتابعين لسيناريو الانتخابات الأخير أسباب الخسارة الفادحة إلى استمرار الأزمة الاقتصادية رغم تعهد أردوغان في الانتخابات الرئاسية بأنه سيعمل على حلها بالخبرات التركية، وأعاد بالفعل وجوها قديمة، مثل وزير المالية والخزانة محمد شيمشك، لكن لم يحدث التقدم المأمول.
وكشف المحللون أن من أبرز عوامل الهزيمة النكراء تكمن في انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع نسبة التضخم وضعف القدرة الشرائية، فضلا عن انتشار الأحاديث والأنباء شبه المؤكدة حول الفساد في المحليات وفي مجال المقاولات وبناء المنازل في جنوب البلاد، خاصة بعد وقوع زلزال كهرمان مرعش في تلك المنطقة، وما أسفر عنه من
مقتل عشرات الآلاف من الأتراك، وتضرر مئات آلاف المنازل، وقدَّر أردوغان الخسائر بشكل عام في تصريح له العام الماضي بحوالي 104 مليارات دولار.
** صفعة غزة!
وظاهريا، تبدو التحديات الاقتصادية القاسية الصفعة الأكبر على وجه السلطان العثمانى الجديد وحزبه الحاكم، إلا أن ثمة آراء تؤكد أن خده الأيسر تلقي صفعة أخرى من قطاع غزة انطلاقا من عدم رضا الشريحة المحافظة من الناخبين الأتراك عن موقف الرئيس وحزبه وحكومته من العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، بل وطالبت مرارًا بخطوات عملية إضافية لنصرة الفلسطينيين وتحديدًا فيما يتعلق بالتجارة مع إسرائيل ولكن دون آذان صاغية، فكان الاحتجاج بمقاطعة الانتخابات أو إبطال الصوت أو التصويت لأحزاب أخرى أشد أداة تنبيه، وأقوي جرس إنذار للعدالة والتنمية.
** التجارة مع إسرائيل!
وكان نواب حزب السعادة التركي المعارض، قد قدموا مقترحاً يطالبون فيه الحكومة بالتدقيق في حجم صادرات البلاد إلى إسرائيل منذ بدء حرب غزة .. ونشر متين جيهان، وهو أحد المؤثرين المعروفين في الوسط التركي، في صفحته على منصة إكس، نسخة من بيانات مسجلة تبين حركة السفن حول العالم وتكشف أن 253 سفينة شحن توجهت من تركيا إلى الموانئ الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب، ونالت هذه المنشورات أكثر من مليوني مشاهدة لتفجر ضجة ونقاشاً على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي تعرضت فيه سلاسل الوجبات السريعة والمقاهي في تركيا مثل ستاربكس وبرجر كينج وماكدونالدز وغيرها لانتقادات كبيرة بعد هذه الحرب.
كما كشف يوسف كاتب أوغلو، الخبير السياسي والاقتصادي التركي والعضو في "العدالة والتنمية"، فى تصريحات لشبكة "بي بي سي" البريطانية أنه عندما صعد أردوغان إلى السلطة لأول مرة، كانت صادرات تركيا إلى إسرائيل تصل إلى مليار و400 مليون دولار، وبعد مرور عشر سنوات، بلغت الصادرات 8 مليارات و900 مليون دولار، بما يعني زيادة في الحجم التجاري بثمانية أضعاف، موضحا أن هذه الحقيقة الموثقة بالأرقام خير برهان على عدم قدرة تركيا على التفريط فى علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، وبالتالى يصعب اتخاذ موقف رسمي وعلنى يدين عدوان الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطينى .. وما حدث فى انتخابات البلديات أمس إلا صوت شعبي جهير يصرخ قائلا:ارحل يا أردوغان"!.