كتب - شريف سمير :
شهد يوم 27 ديسمبر 1945، ميلاد أكبر مؤسسة مالية فى العالم رفعت شعار "خرطوم المساعدات" للدول الفقيرة، ومنذ ذلك التاريخ وصندوق النقد الدولي يلعب دور رجل المطافئ لاحتواء حرائق الاقتصادات وصواعق الأزمات المالية .. ولكن بتراكم فوائد القروض ومضاعفة أعباء الديون، تحولت مياه إطفاء الحريق إلى زيت يشعل النيران أكثر ويزيد الأمور تعقيدا فى بعض الدول لتدفع ثمن الاعتماد على سياسة الإقراض وعدم توظيف واستثمار موارد الدولة!.
** البنك الدولي
ويختلف البنك الدولي، عن صندوق النقد فى أن الأول يعد المصدر الرئيس للمساعدات المالية والتقنية للبلدان النامية، وفي العشرين عاما الأولى بعد تأسيسه، أصدر قروضا للدول الأوروبية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أنجز مهمته في استعادة البنية التحتية لتلك الدول، التفت إلى البلدان النامية، وتتكون مجموعة البنك الدولي من خمس مؤسسات، هي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمؤسسة الإنمائية الدولية، والمنظمة المالية الدولية، ووكالة ضمان الاستثمار المتعددة الأطراف، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
** فوائد منخفضة
كما يقدم البنك الدولي قروضا بفائدة منخفضة، وقروضا بدون فوائد، ومنحا للبلدان النامية لمشاريع كبرى أو إصلاحات هيكلية لصناعات بأكملها، وغالبا يتم ذلك بموجب ضمانات حكومية، وتوفر هذه المؤسسة المشورة للبلدان الفقيرة بشأن قضايا التنمية الاستراتيجية.
** فلسفة الصندوق
أما صندوق النقد، فقد صُمم لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي وأسعار الصرف والتسويات الدولية، وعمليا يشرف الصندوق على السياسة النقدية والمالية للبلدان، وهو ليس مؤسسة ائتمانية بشكل كامل.. كما يخصص الأموال لأي دولة عضو تواجه عجزا في ميزان المدفوعات، بما يعني أن مهمة الصندوق تتمثل في منع أزمات العملة عندما تصبح الدولة في وضع إفلاس.
** رأس المال الأمريكي
وتعد الولايات المتحدة رأس المال الأول لصندوق النقد، وصاحبة الحصة المسيطرة في مجلس إدارة هذه المؤسسة الائتمانية، واحتفظت لنفسها بسلطة لا ينازعها فيها أحد .. وللصندوق عملته الخاصة وتتمثل فيما يسمى بحقوق السحب الخاصة .. وفي واقع الأمر، تصدر قروض الصندوق النقد فقط في شكل حقوق سحب خاصة، يمكن للمستلم بعد ذلك استبدالها حصريا بعملات احتياطي المنظمة، عددها الآن خمس، وهي الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني واليوان.
** حرب الصومال
وفي عام 1980، خصص صندوق النقد الدولي 150 مليون دولار للصومال، إلا أن محاولات تطبيق توصيات المنظمة في الحياة الاقتصادية الداخلية للبلاد أدت إلى انهيار الاقتصاد نفسه، ثم الدولة بأكملها، ونتيجة لذلك، بدأت حرب أهلية دموية طويلة وانقسمت البلاد نفسها إلى عدة أجزاء متناحرة. وحتى الآن، وبعد مرور 42 عاما على هذا "القرض القاتل"، لاتزال الصومال في حالة خراب وفقر، وباتت تعد واحدة من أخطر الأماكن على وجه الأرض.
** كارثة السودان
ودخلت السودان فى تجربة مريرة مع الصندوق، حيث حصلت الخرطوم على 260 مليون دولار لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد في عام 1982، وبنتيجة ذلك، وصلت الإصلاحات إلى طريق مسدود، وفي نفس الوقت كان لابد من دفع الديون وفوائدها بملايين الدولارات باي طريقة.
ونجم عن الدمار الاقتصادي في النهاية أزمة سياسية في السودان تفاقمت بسبب الانتفاضة المزمنة في جنوب البلاد، حيث كان يتوجب على السودان، الذي فقد بالفعل نصفه الجنوبي، سداد هذا الدين الذي تضخم بأنواع متعددة من الغرامات والعقوبات!
** فخ المكسيك
ووقعت المكسيك أيضا في فخ الصندوق، حين واجهت أوائل الثمانينيات انخفاضا خطيرا في أسعار النفط العالمية،
ولجأت إلى قروض المؤسسة المالية الكبرى التى قدمت ما يسمى ب"خطة بيكر" لإنقاذ الاقتصاد المكسيكي، وحصلت بموجبها على قرض بقيمة 3.4 مليار دولار، وكانت الحصيلة
تدمير الاقتصاد الوطني للمكسيك تماما، وهيمنة الولايات المتحدة، تحت "قناع" صندوق النقد على المالية العامة للمكسيك، ومن ثم تدفقت 45 مليار دولار من المكسيك إلى الولايات المتحدة، في حين تسبب الفقر الواسع في حركة هجرة إلى بلدان أخرى.