رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

بعد واقعة محفظ القرآن..المصير تفتح ملف ”لماذا ينتحر المتدينون؟”.

المصير

الثلاثاء, 26 مارس, 2024

02:31 م

كتبت - غادة عويس

أمس الأول صُعق أهالي مركز العسيرات بسوهاج، علي خبر انتحار شاب ثلاثيني، يعمل محفظا للقرآن ، الصاعقة لم تكن بسبب حادث الانتحار، فمصر من أعلى دول العالم في معدلات الانتحار، ولكن الصاعقة لإنه شخص متدين ومحفظ للقرآن، وهو ليس أول شخص متدين ينتحر في مصر في الفترة الأخيرة.

كلنا نسأل كيف ينتحر شخص متدين، الشخص المتدين هو الذي يمنعنا من الانتحار، فيكف ينتحر هو، الشخص المتدين هو الأكثر ثقة في الله، والأكثر يقينا في حكمة الله وقضاءه فكيف ينتحر؟؟

​​​​​​

محفظ قرآن

ولهذا حين خيم الحزن على دائرة مركز العسيرات جنوب محافظة سوهاج بصعيد مصر مؤخرا، بعدما أقدم شاب في الثلاثينيات من عمره على إنهاء حياته شنقا في منزله، تعجب الناس لكون هذا الشاب معروف عنه التدين حيث يعمل محفظا للقرآن، وهو ما تؤكده وصيته الأخيرة التي قام بنشرها قبل انتحاره في "بوست" على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والتي جاء فيها: " يارب كم كنت أتمنى ألا آتيك بمعصية ولكن أتيتك بأكبر معصية وهي الانتحار، ولكن يارب عفوك ورحمتك وسعت كل شيء فسامحني ياربي واغفر لي".
والجدير بالذكر أن حالات انتحار الأشخاص المتدينين لم تعد قليلة في مصر، إذ أن حادثة العسيرات جاءت ولم يمر وقت طويل على انتحار "فتاة العريش" بحبة غلة بعد صيامها ليوم كامل، ومن قبلها انتحر شخص من مركز كفر الدوار بمحافظة البحيرة، بعد اتهام أحد أقاربه له باتهامات باطلة، وقد أزعم المقربين منه أنه "شخص متدين"، كما أننا لا ننسى واقعة انتحار طالب الهندسة الذي ألقى بنفسه من فوق برج القاهرة.

استشاري صحة نفسية :المتدينون هم الأكثر عرضة للضغوط النفسية

وفي هذا السياق يؤكد الدكتور "وليد هندي"، استشاري الصحة النفسية لبوابة "المصير"، أن الانتحار سلوك بائس يتبعه شخص لوضع حد لحياته أمام مشكلة يواجهها أو تحديات يعتريها، ولم يجد لها حلا.
ويعرف "هندي" الانتحار بصفة عامة على أنه سلوك مضاد للحياة، وهو ما يظهر على البشر بشكل عام، مثل المريض الذي يعاني من مرض خطير ولكنه يتمسك بأمل الحياة حتى آخر نفس لديه، مما يعني أن إقدام شخص ما على إنهاء حياته هو أمر مخالف لطبيعة البشر، وهو المؤشر الذي يؤكد على أن هذا الشخص يعاني من بعض المشكلات أو من خلل في المخ، ومن هنا علينا أن ندرك أن تدين الشخص لا علاقة له بالأمر بتاتا، بل هو ضحية أزمة نفسية يواجهها ولم يستطع التغلب عليها.
ويرى "هندي" أن التفرقة بين الانتحار المخطط والانتحار الاندفاعي هو الفيصل الوحيد بين المرض وغيره، فالانتحار المخطط دائما يكون بسبب أمراض نفسية، مثل الإصابة بذهان الهوس الاكتئابي أو الفصام أو الوساوس القهرية، وذلك لأن انتحارهم كما وضح بسبب "صوت من جواه يناديه أنه يقتل نفسه"، مما يعني أنه شخص مغيب، يقدم على الانتحار تحت وطأة المرض.
أما الانتحار الاندفاعي عامله الأساسي جذب الانتباه أو إثبات ذاته، وفي بعض الأحيان يكون أداة للضغط على من حولهم لتلبية رغباتهم، وفي الأغلب يتم إنقاذ هذه الحالات، في حين الفعل المخطط أو المدروس لا يتم إنقاذهم لأن تصرفاتهم غير متوقعة.
ومن هنا يرى "هندي" أن من ينتحر وهو واع لما يفعل، لتلبية رغبته هو من يقع عليه حكم الدين بأنه "كافر"، أما من يخطط ويدبر في صمت حتى يقدم على إنهاء حياته هو شخص فاقد للتفكير العقلاني الرشيد، ويعامل معاملة المغيب لإنه مريض، ووفقا للقاعدة الفقهية "ليس على المريض حرج" هو ليس بكافر، "دا أنا بشوفه أول واحد هيدخل الجنة".

ويجزم "هندي" في حديثه مع "بوابة المصير" على أن الأشخاص المتدينة الحافظة لكتاب الله هم أكثر الأشخاص الذين يعانون من ضغوط نفسية، بسبب الصورة الذهنية التي رسمها لهم المجتمع، فيجدون أنفسهم ضحية لسقف التطلعات العالية التي يفرضها عليهم تدينهم، الأمر الذي يسلبهم أبسط حقوقهم مثل الذهاب للسينما أو ارتداء "شورت" في البحر وغيره.
وقال "الناس بتخلط بين رجل الدين والدين، فيتعاملوا مع الشيوخ على انهم الدين ماشي على الأرض"، وهو ما يجعلهم عرضه للاكتئاب والكبت والشعور بالذنب طوال الوقت، مؤكدا أن المرض لا يعرف مهنة أو دين أو طبقة إجتماعية، وما حدث مؤخرا من انتحار رجل الدين يتوقف عند كونه إنسان انتحر لكونه غير مسيطر على أفعاله، وليس لتدينه أو لوظيفته كرجل دين تدخل من قريب أو بعيد.

سعيد صادق :رجال الدين يتعرضون لضغوط مادية أكبر من غيرهم

ويرى الدكتور "سعيد صادق" أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة "مصر اليابان" أن المتدينين يعتقدون في بعض الأوقات أنهم ليسوا جزءا من هذا العالم، بل هم جزء من الجنة والعالم والآخر، الأمر الذي يجعل مسألة الحياة والموت مختلفة بالنسبة لهم، كما أن دخل رجال الدين في أغلب الأوقات لا يستطيع تلبية احتياجاتهم المادية، فالدخل ثابت والاحتياجات متزايدة باستمرار، مع الأوضاع الاقتصادية التي يعايشها الشباب هذه الأيام، مما يولد لديهم مشاعر الضغط مع الشعور بالعجز.

ويستكمل "صادق" حديثه قائلا، إن المجتمع يضع رجال الدين في زاوية المعصومين من الخطأ، فيجد رجل الدين نفسه في وضع لا يساعده على تحسين مصدر دخله، "أصل دائما الناس بتقول إزاي رجل دين يعمل كدا... لا لا نزل من نظري، ليه هو يفرق إيه عن الدكتور اللي بيقتل، أو المحامي اللي يساعد النصابين على الخروج من السجن؟".
ويؤكد "صادق" على أن الانعزال الاجتماعي يشكل سبب قوي في إقدام الشخص على الانتحار، وبما أنه محفظ قرآن ففي الأغلب دائرة تعاملاته تكون مع فئة عمرية أصغر منه، فيشعر تلقائيا بالوحدة، وأن لا أحد من حوله يشعر به أو يفهمه.
ويوضح "صادق" أن معدلات الانتحار في الدول الإسلامية غير دقيقة، وذلك لأن أسباب الانتحار غير موثقة في أغلب الأوقات، "الناس بتخاف من العار فبتسجل حالات الانتحار على أنها حادثة"، الأمر الذي يجعل أهل المتوفى يعانون من نظرات الشفقة أو الشعور بالخزي والعار في حالة التأكد من أن المتوفى قد انتحر.