كتب - شريف سمير :
لأول وهلة يتصور المتابع لأحداث حرب الإبادة الجماعية فى قطاع غزة أن خطوة الإنقاذ البحري الأمريكية هى طوق النجاة لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والغذائية للنازحين الفلسطينيين، خصوصا بعد العراقيل الإسرائيلية المحكمة برا وجوا .. إلا أن الخطة الأمريكية المطروحة عبر ميناء غزة تحوم حولها حزمة من الشكوك حول نوايا واشنطن فى كسر الحصار حول القطاع وإغاثة الآلاف من الأسر من حلقات الترويع والتجويع!
** حوارات بين الإمارات وإسرائيل
وأقرت مصادر سياسية إسرائيلية بأن الدعوة الأمريكية نبعت من يأس وإحباط إدارة الرئيس جو بايدن من سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تحرجهم وتظهرهم مساندين لتجويع الفلسطينيين في غزة، فقرروا عدم الاكتفاء بالإعراب عن غضبهم بالكلام والتصريحات والعبارات الدبلوماسية الجوفاء، وإنما تبني استراتيجية عاجلة عن طريق البحر، وتزامن ذلك مع معلومات في تل أبيب تطرقت إلى فكرة ميناء غزة، وأنها كانت ثمرة حوارات بين مسؤولين من الإمارات وإسرائيل، في أعقاب انتشار أنباء عن موت مواطنين في غزة نتيجة الجوع، وتورط جنود الاحتلال فى قتل مدنيين فلسطينيين وهم يهرعون إلى شاحنات المواد الغذائية لأخذ ما أمكن منها، مثلما وقع فى دوار النابلسي وأدى إلى مقتل بعضهم من التدافع والدهس.
** مصر تدخل على خط الأزمة
وشاركت عدة أطراف فى مفاوضات الخطة الأمريكية فى مقدمتها مصر ودول عربية وأجنبية أخرى، وخلال المداولات تبيّن أن العراقيل أمام وصول المساعدات تبدأ من عمليات التفتيش الإسرائيلية الطويلة والبطيئة، والتي يُعتقد أنها جزء من سياسة إسرائيل لاستخدام المساعدات أداة ضغط على قيادة حركة حماس» الفلسطينية في المفاوضات. وتتواصل هذه المشكلة من خلال سرقة بعض شاحنات المساعدات بعد دخولها إلى غزة، حيث تسيطر عليها عصابات إجرام أو تجّار، وتتعمد بيعها بأسعار باهظة (أحياناً بعشرين ضعفاً من سعرها الحقيقي).
**فحص وتفتيش!
وعلى الرغم من وجاهة الرهان علي ميناء غزة عن طريق قبرص لإرسال سفن الإغاثة والمساعدات، غير أن ما يبعث علي الريبة والحذر من إتمام المهمة، هو التزام هذه المحطة - ذات التمويل الإماراتي - بالإشراف الإسرائيلي .. حيث أكدت مصادر في تل أبيب أن مسؤولين اثنين من إسرائيل زارا أبوظبي في الأيام الأخيرة، هما اللواء غسان عليان، رئيس الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي ومنسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية (يُعد المسؤول الأول عن إدخال المساعدات لغزة)، واللواء آفي جيل، السكرتير العسكري لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وركزت زيارات المسئولين الإسرائيليين على إخضاع سفن المساعدات للفحص والتفتيش من جانب رجال أمن إسرائيليين، ثم يسمحون لها بالإبحار.
** إشراف إسرائيلي!
ولا تكتفي السلطات الإسرائيلية على حدود غزة بذلك، بل اشترطت أن ترافق شحنات الإغاثة سفن حربية إسرائيلية في رحلتها نحو القطاع، حيث يتم تنزيل البضائع إلى قوارب صغيرة وتوزيعها في غزة .. على أن تتكرر هذه العملية في الأسابيع التالية خلال شهر رمضان المبارك، وستشمل لاحقاً بضائع أخرى.
** أمر واقع
وبالفعل وتحت سياسة الأمر الواقع، بدأت طواقم عمل إسرائيلية تتدرب على المهمة، على أن يبدأ التنفيذ فى أسرع وقت، ويصبح لزاما الفلسطينيين في غزة مواجهة مخاطر توزيع المساعدات ومنع العصابات أو أي قوة أخرى تسعى للسيطرة عليها، أو منعها من العبور أصلا!.
** مخرج مؤقت!
ولاتملك الولايات المتحدة إزاء هذا السيناريو الإسرائيلي الخبيث لتقويض "ميناء غزة" إلا الاستمرار فى تنفيذ هذا المخرج المؤقت .. على أن يكون الحل الأكبر في الميناء الأمريكي الذي يبدأ العمل على إقامته فوراً، ويُقدّر خبراء بأنه يحتاج إلى 5 - 6 أسابيع حتى يبدأ العمل كرصيف ثم يتحول إلى ميناء ضخم يحتوي أكبر كم ممكن من سفن المساعدات.. وهو ما أثار تحفظات مسؤولين إسرائيليين من محاولات الأمريكيين للعمل بأيديهم، بحيث لا تستطيع إسرائيل أن تمنع أو تعرقل أى خطوة جديدة لإنهاء مأساة الشعب الفلسطينى!.
** رصيف النجاة!
والاختبار الآن هو مدي مصداقية الإرادة الأمريكية فى حل الأزمة وفرض "رصيف النجاة" أمام العدو الإسرائيلي وقدرة إدارة بايدن عمليا علي ترويض أنياب إسرائيل التى تهدد "طوق قبرص" باعتبار الأخيرة أقرب دول الاتحاد الأوروبي إلى قطاع غزة، وتقع على بعد نحو 370 كيلومتراً.