ينتظر كل مسلم قدوم شهر رمضان، بفارغ الصبر وبمزيج من الشغف والارتياح، ليعيش أجواء الصوم الروحانية مع الصلاة وتلاوة القرآن وصلاة التروايح والتهجد ولحظات التقرب إلى الله .. وتنتاب المرء مشاعر الألفة والمودة أثناء تناول الطعام على مائدة الإفطار وسط الأهل والأقارب وبصحبة الأصدقاء .. وفى الظروف الطبيعية، تتولد الفرحة والاشتياق فى قلوب المسلمين مع قرب ليالي الشهر الكريم، باستثناء الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة.
فهم يعيشون ظروف إنسانية منقطعة النظير في الخوف والقتل و الإبادة والتجويع من قبل الصهاينة.
وهم بدلا من أن ينتظروا رمضان بفارغ الصبر أصبحوا يخشون من قدوم رمضان خوفا من هجوم إسرائيلي كامل برا وبحرا َوجوا على رفح آخر ملاذ آمن لهم
والناس في غزة تسيطر عليهم نظرات الخوف والترقب لشكل الحياة وكيف سيعيشون طقوس رمضان الجليلة تحت وابل من نيران القصف الإسرائيلي الكثيف ورصاص الاحتلال الغادر وتراود الأطفال والنساء والشيوخ قول شاعر الأجيال العظيم محمود درويش : بكل ما أوتيت من فرح أخفي دمعتي .. وأريد قلباً طيّباً لا حشو بندقية" ..
وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يعيش فيها أهالي غزة مثل تلك الظروف المؤلمة، غير المسبوقة بخلاف كل الحروب السابقة مع الكيان المحتل، التي كانت رغم سوتها إلا أنها لم تقض علي الحياة.
وما يمر به أهالى قطاع غزة من أهوال حرب الإبادة منذ ٧ أكتوبر الماضي، يدفعهم للبكاء والحزن وهم علي مشارف شهر الفرحة والبهجة.، ويدفع كل أصحاب القلوب العامرة و الضمائر اليقظة أن يتحسروا ويتألموا من أجل غزة وأهلها
وعلي مدار العهود والسنين، عرف الشعب الفلسطيني بشدة إيمانه وصبره على المكاره رغم الأوقات الصعبة، واعتاد المدنيون على صوت الرصاص والصواريخ، حتى وقت إفطار رمضان، ورغم كل الحروب التي عاشتها غزة، فإن ذلك لم يمنع أهلها من تبادل أشهر عاداتهم من إعداد وجبة "القدرة" التي تحتوي على الأرز واللحم الضأن، في أول يوم رمضان .. ومواظبة "المسحراتي" على المرور بين خيام النازحين لتنبيه المسلمين للسحور قبل موعد آذان الفجر، ويحرص الفلسطينيون دائما على قصد المساجد لأداء صلاة التراويح والتهجد بينما خارجها تعلو زينة الهلال والفوانيس المضيئة أطراف المنازل قبل سحقها وتدميرها .. ولكن كلها مظاهر وتقاليد مصيرها بعد "طوفان الأقصى" الدفن بجوار الشهداء الأبرار فى مقابرهم الطاهرة .. حيث يحيا النازحون المشردون بلا مأوي وبلا طعام وبلا مساجد يرفع فيها آذان الله، وتواجه غزة نقصًا حادًا في الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء، مما يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين، في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع مما يؤدي إلى صعوبات في إدخال المساعدات، ويبلغ الحرمان ذروته وأقسى درجاته بعد قصف الاحتلال الإسرئيلي لأكثر من 650 مسجداً، من أصل 1027 من دور العبادة منذ بداية الإبادة، ودمر أيضًا جيش الأحتلال المبنى الرئيس لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ومقر إذاعة القرآن الكريم التابعة للوزارة في برج "فلسطين" المؤلف من 14 طابقا، ومن أشهر المساجد التي دمرت " إشتيوي في مدينة غزة، مساجد اليرموك" وأحمد ياسين، مسجد الإمام علي، في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، مسجد الحبيب محمد، في مدينة خان يونس .. فضلا عن أشلاء وبقايا بيوت عاشت لسنوات أغلى ٣٠ يوما.
وهكذا، تستقبل غزة وأهلها "رمضان ٢٠٢٤" بعيون مبللة بدموع الشهادة والحرمان .. وتتساءل في حيرة وألم عن كيف تكسر الأفواه الصائمة صيامها .. ومن يرفع آذانها؟!