كتب - شريف سمير:
تخلص النظام الروسي من "عقدة" المعارض العنيد أليكسي نافالنى بوفاته الغامضة وما يحوم حولها من شكوك وتساؤلات أثارها الغرب اتهاما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين باضطهاد خصومه السياسيين الاعتقال والتعذيب والتنكيل.
وبدأ صعود نافالني بقوة في السياسة الروسية في عام 2008 عندما بدأ في التدوين عن مزاعم سوء إدارة وفساد في بعض الشركات الروسية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة.
وكان أحد تكتيكاته هو أن يصبح مساهماً في أسهم الأقلية (المعروضة للبيع للمستثمرين من الناس في الشركات التي تملك الدولة الحصة الأكبر فيها)، في شركات النفط الكبرى والبنوك والوزارات، ومن ثم يبدأ في طرح أسئلة محرجة حول "فجوات" وتسريبات في تمويلات الدولة.
وبلغت لغته النقدية الحادة مسامع وأفكار شباب مواقع التواصل الاجتماعي، وقبل الانتخابات البرلمانية عام 2011 ، التي لم يخضها كمرشح، حث قراء مدونته على التصويت لأي حزب باستثناء حزب روسيا المتحدة، الذي أطلق عليها اسم "حزب المحتالين واللصوص"، وظلت هذه العبارة عالقة في الأذهان.
وفاز حزب روسيا المتحدة بالانتخابات، لكن بأغلبية أقل بكثير. وشابت فوزه مزاعم انتشرت على نطاق واسع بتزوير الأصوات، والتي أثارت احتجاجات في موسكو وبعض المدن الكبرى الأخرى.
وعند هذه المحطة، فتحت أبواب الزنزانة لنافالني ليصدر أمر باعتقاله بعد الاحتجاج الأول في 5 ديسمبر 2011 ، وسُجن لمدة 15 يوماً، لكنه ظهر للتحدث في أكبر التجمعات التي أعقبت الانتخابات في موسكو في 24 ديسمبر، وحضره حينئذ ما يصل إلى 120 ألف شخص.
وفاز بوتين في وقت لاحق في الانتخابات التي أجريت لإعادة انتخابه كرئيس بسهولة، وشرعت لجنة التحقيق الروسية القوية في تحقيقات جنائية في أنشطة نافالني السابقة، حتى أنها شككت في أوراق اعتماده كمحام.
وعندما سُجن لفترة وجيزة في يوليو 2013 ، بتهمة الاختلاس في مدينة كيروف، نُظر إلى عقوبة السجن لمدة ٥ سنوات التي تلقاها على أن وراءها أسبابا سياسية.
وعندما خرج نافالنى مؤقتا من المعتقل، شارك في انتخابات رئاسة بلدية موسكو، وحصل على المركز الثاني بنسبة 27 في المئة من الأصوات، بعد حليف بوتين، سيرجي سوبيانين.
واعتبر ذلك نجاحاً كبيراً لأنه لم تكن لديه إمكانية الوصول إلى التليفزيون الحكومي، وظل معتمداً فقط على وسيلتي الإنترنت والكلام الشفهي.
وفي نهاية المطاف، ألغت المحكمة العليا الروسية إدانته عقب صدور حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه لم يُمنح جلسة استماع عادلة في المحاكمة الأولى، ثم أدين للمرة الثانية عندما أعيدت محاكمته في عام 2017، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ. ووصف الحكم بأنه "هزلي"، قائلا إنها كانت محاولة لمنعه من خوض انتخابات 2018.
ولم ييأس نافالنى الدارس للقانون وخريج جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو عام 1998، ولم يفرط فى مواقفه السياسية، واتخذت معركته ضد الرئيس الروسي، طابع الثأر الشخصي من الدرجة الأولى، فقد اتهم بوتين بإصدار أوامره لعملاء الدولة السريين بتسميمه في هجوم كاد أن يقتله في أغسطس 2020.
وتدهورت صحة نافالني وهو على متن طائرة فوق أراضي سيبيريا ونقل إلى المستشفى في أومسك، بعد الاشتباه في تسممه، ودخل في غيبوبة. وأقنعت جمعية خيرية مقرها ألمانيا، المسؤولين الروس بالسماح لها بنقله جواً إلى برلين من أجل تلقي العلاج .. وتواصلت رحلة السجن وجرعات السم إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة تاركا وراءه أكبر سؤال : هل بوفاته يتنفس نظام موسكو الصعداء وتنتعش أكثر الدولة البوليسية، أم أنها ليست الشوكة الأخيرة فى خاصرة بوتين وقد يظهر خلفاء وتلاميذ يسلكون طريق المشاغبة والمشاكسةالسياسية؟!.