"نبتدي منين الحكاية"؟. عزيزي القاريء..تمهل، واقرأ للنهاية قبل أن تصدر حكمًا جائرًا. اطمئن؛ فلن أستغرقك في تفاصيل وتعقيدات ولوغاريتمات.
لعل لا تختلف معي في أن كل المرات التي حاولت الدولة المصرية فيها أن تعبث بالدين باءت بـ"الفشل الذريع".
وقائع التاريخ حاضرة وشاهدة، والعاقل من اتَّعظ بغيره. والآن..تدخل مصر منعطفًا جديدًا بالتمكين للصوفيين. وها هي المقدمات تُنبيء بنتائج كارثية.
إدخال الصوفية في المشهد العام لن يأتي بخير. النسخ الحديثة من الصوفية بالغة السوء والرداءة والشطط والجنون.
الصورة الإيجابية التي يسعى أقطاب الصوفية المعاصرون إلى تصديرها للرأي العام عنهم كاذبة ومهترئة، ولا يصدقها عقل رشيد أو غير رشيد.
إسلام الصوفية مطعون فيه ابتداءً وانتهاءً، ولو كره الكارهون. دعك من الجدل المُثار حول أحد رموز الصوفية مؤخرًا، واتهام فتاة بالتحرش بها، فقد يكون الموضوع محض افتراء، وقد لا يكون، ولكن هل طالعت تعليقات المريدين وأحاديثهم عنه، وكيف أنهم يتعاملون معه باعتباره "نور الله في الأرض"، وأنه لا ينبغي إشراك غيره في حبه والتعلق به! رئيس إحدى الطرق الصوفية الجديدة أيضًا يسبق اسمه بـ"نور الدين" أيضًا، ويصنع لنفسه هيلمانًا وصولجانًا وخطابًا استعلائيًا منفرًا.
وآخر يقول عن نفسه: إنه نور من نور، وإنه يرى النبي الكريم كل يوم نومًا ويقظة، وإن النبي يحتفل معه بعيد ميلاده.لا أعرف سببًا وجيهًا لربط أنفسهم وذواتهم وكينونتهم بـ"النور"؛ قد يرجع السبب إلى الارتفاع الجنوني لأسعار الكهرباء مثلاً، أو إنهم يسحرون أعين الناس وعقولهم بأوهام وضلالات وأباطيل!
في شهر رمضان الماضي..كانت هناك إرهاصات ضاغطة للتمهيد للصوفيين، ومؤشرات على أن هذا زمانهم وحدهم. الإعلام الرسمي احتفى ببرنامج ذي محتوى باهت اسمه: "مملكة الدراويش". البرنامج كان يروج للفكر الصوفي؛ باعتباره بديلاً عن كل التيارات الأخرى، وأنه المنقذ من الضلال، والهادي من الأغيار.
استوزار الصوفي الدكتور أسامة الأزهري كان خطوة متقدمة جدًا في هذا الاتجاه أيضًا. "الأزهري" أفصح سريعًا عن نواياه عندما أعلن عن تعاونه مع الطرق الصوفية ونقابة الإشراف..يا للهول!! كان هذا متغيرًا جديدًا ومثيرًا ومزعجًا ومؤشرًا للسيناريو الأسوأ.
وفي لحظة مباغتة تحولت بيوت الله أثناء احتفالات المولد النبوي إلى ما يشبه المهرجانات والسيرك القومي. عمَّت الفوضى المساجد بحضور أقطاب الصوفية ورموزهم وأتباعهم ومريديهم ومجاذيبهم ومعاتيههم، وهم كغثاء السيل. الفضاء الإلكتروني يكتظ بعشرات الفيديوهات الفاضحة لتصرفات الصوفيين في المساجد خلال الساعات الأخيرة.
صورة جديدة من الفوضى نحن في غنى عنها، وتمثل إحدى حالات العبث في التعامل مع بيوت الله التي تعرضت للإغلاق والتضييق في عهد الوزير المعزول، والآن تم فتحها " ع البحري" أمام مجاذيب الطرق الصوفية.
ولأنه جرى العُرف على أن الأنظمة الرسمية لا تسمع إلا نفسها ولا تتفاعل مع مَن يُسدي لها نُصحًا وإرشادًا، وتنظر إليه بريبة وشك ومكر، فإن الدولة المصرية لن تتراجع في القريب العاجل عن التمكين للصوفية على جميع المجالات، و"الطبطبة عليهم"، وفي الخلفية أغنية نانسي عجرم: "يا طبطب وادلع"، قبل أن تقع كارثة واثنتان وثلاث، ويومئذ سوف تبحث عن بديل جديد تلعب وتغازل الشعب به.
إن كل التجارب السابقة تقودنا إلى نتيجة واحدة وهي ضرورة إبعاد الدين –بكل تنويعاته- عن التشابكات السياسية ومناوراتها ومهاتراتها ومغامراتها، وإخراجه منها سالمًا، دينًا وسطًا قيمًا مُجردًا من الأهواء والنزعات والأشباح والأصنام والأوهام والتخاريف والأساطير والشركيات، كما نزل على النبي الكريم؛ حتى لا نكون ممن قال الله تعالى عنهم: "إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".