ليس عليك إلا أن تكتب في محرك البحث "جوجل" اسم رئيس الحكومة الحالي متبوعًا بكلمة "توطين"؛ لتتهادى أمامك مقترحات شتى عن تصريحات حكومية وردية لم يتحقق منها شيء، لا يخلو واحدٌ منها من كلمة: "توطين". نبرة صوت الدكتور مصطفى مدبولي توحى دائمًا برومانسية حالمة، تشبه رومانسية المطربين وليس المقاولين. تصريحات رئيس الحكومة تتجاوز الواقع وتقفز عليه. لا أظن أن الرجل يكذب من أجل الكذب؛ فمثله لا يفعل ذلك أبدًا، وإنما ربما يكذب ليتجمل. قد يعلم "مدبولي" أن حكومته لا تلقى قبولاً شعبيًا يذكر، فأراد أن يُخادعهم بهكذا تصريحات! كيف يتقبل الشعب حكومة لا ترحمه ولا ترعي فيه إلًّا ولا ذمة، ولا تتوقف عن جلده بسوط الغلاء وكرباج التضخم؟
خلال افتتاحه إحدى الجامعات الخاصة أمس صرح "مدبولي" بأن مصر تتطلع إلى أن تكون مركزًا للتعليم. يا للهول!! كيف يحدث ذلك –يا دولة رئيس الوزراء- ومصر في عهدكم تتذيل تصنيف "جودة التعليم"؟! ومَن هم المسؤولون القادرون على تحقيق هذا الحلم الوردي؟ وأين هذه الإستراتيجية القادرة على تحويله إلى وقع ملموس؟ وغير بعيد وغير مرة..زفَّ "مدبولي" للمصريين بشرى كاذبة بأن مصر تسعى لتوطين الصناعات الدوائية؛ تزامنًا مع أزمة غير مسبوقة ومستمرة في نقص الأدوية المهمة. الحصول على أدوية الأورام والسكر والضغط والقلب أصبح أقرب إلى المستحيل، بل إن العثور على بعض الكريمات البسيطة مثل: "الكينا كومب" صار بعيد المنال! أرفف الصيدليات الكبرى خاوية من الأدوية يا دكتور "مصطفي"، وكثير منها صار يعمل بأقل من نصف طاقته! طالما تحدث المسؤول الكبير عن أن مصر تعمل على توطين صناعة السيارات، تزامنًا مع أزمة حقيقية في ارتفاع أسعارها بوتيرة متسارعة، حتى أصبح المليون جنيه عاجزة عن شراء سيارة عادية محدودة الإمكانيات.
وطالما تحدث الدكتور "مصطفى" عن تطلع حكومته لتوطين التكنولوجيا في مصر ودخول عصر الرقمنة الشاملة!! كما تحدث الدكتور "مدبولي" في وقت سابق عن توطين مكونات مرافق الكهرباء في مصر، تزامنًا مع غضب المواطنين من ارتفاع أسعار الفواتير الشهرية بشكل جنوني، مثلما تحدث عن إنشاء مصانع لتوطين الصناعات المُنتجة، وتوطين صناعة الهواتف المحمولة. وما أكثر المرات التي تحدث فيها رئيس مجلس الوزراء عن توطين الصناعة ومستلزمات الإنتاج، ومؤخرًا تحدث أيضًا عن خطط لحكومة لتوطين صناعة الأجهزة المنزلية والألواح الشمسية والطلمبات ومراكب الصيد والحرير أيضًا! أما الحلم الكاذب الذي لا يتوقف "مدبولي" عن التصريح به هو تعزيز الإنتاجية وتحقيق الأمن الغذائي، في الوقت الذي لا تزال مصر تستورد فيه معظم غذائها. قائمة "التوطين" معالي رئيس الوزراء، تحتاج مركزًا متخصصًا؛ لحصرها وتفنيدها منذ أُسندت إليك رئاسة الحكومة التي لم تنجح حتى الآن سوى في توطين الفقر والغلاء والتضخم والديون المحلية والخارجية..دكتور "مصطفى" ..كفاية تصريحات، كفاية "توطين"!