رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

أسامة الهتيمي يكتب :محمد فؤاد والطبيب.. حتى تكتمل الصورة

المصير

الخميس, 22 أغسطس, 2024

05:25 م

على خلفية واقعة المطرب المصري محمد فؤاد مع طبيب بمستشفى عين شمس التخصصي وبعيدا عن الانتصار لأحدهما أو الدفاع عن محمد فؤاد فإني أذكر حادثتين عايشتهما بنفسي إحداهما في القاهرة والأخرى في الفيوم ربما يكونان كفيلان بالكشف عما غاب من الصورة.. 

في نوفمبر من عام 2017 أصيب حماي - رحمه الله - بحالة مرضية مفاجئة دفعتنا وفي ساعات مبكرة من الصباح "2 صباحا تقريبا" إلى الإسراع به إلى مستشفى الدمرداش بالقاهرة بعدما نصحنا البعض بذلك وما أن دخلنا المستشفى حتى وجدنا عددا من الأطباء والطبيبات الشباب "أظنهم من حديثي التخرج"  وحولهم عدد من المرضى الذين تتعالى صيحات بعضهم آلما دون أن يكون ذلك دافعا لهؤلاء الأطباء بفعل أي شئ بل ارتسمت علامات الاستياء على وجوهم فتساؤلات المرضى أو ذويهم تقطع على السادة الأطباء مسامراتهم الشخصية حول أساتذتهم ودراساتهم ونوم بعضهم غير أنني حاولت أن ألتمس لهؤلاء الأطباء بعض العذر إذ ربما يعاني بعضهم إرهاقا شديدا أو ليس لديهم إمكانيات أو صلاحيات لفعل أي شئ ..
المهم وفي تلك اللحظة كتمت غيظي وتناسيت أني صحفي حتى يتسنى لي التساؤل عن كيفية إمكانية التعامل مع حالة حماي فلما اقتربت منهم للفت انتباهم للتعامل مع الحالة أو توجيهنا للجهة التي يمكنها التعامل مع الحالة لم أجد منهم إلا فتورا وعدم تفاعل حيث طالبوني بالانتظار وهو ما منحني بعض الوقت لمراقبتهم فإذا بهم غير عابئين على الإطلاق بالمرضى أو حتى منح المشورة لمثل حالتي فيما أن كل ما كان يشغلهم هو تسجيل البيانات لا أكثر ما دفعني لأن أهمس في أذن زوجتي قائلا لها: والله لو إن ابني سيكون مثل هؤلاء الأطباء فأسأل الله أن لا يجعله طبيبا يجلب لنفسه ولأهله اللعنات.
وفي يناير من عام 2023 شعر جاري وأحد أقرب أصدقائي بتعب شديد في قلبه في ساعة متأخرة من الليل فهاتفني على الفور طالبا مني مساعدته والذهاب به للعناية المركزة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم والتي لا يفصل بيننا وبينها سوى عبور الشارع لنصلها بعد دقائق معدودات وكنا قد تواصلنا مع أحد كبار أطبائها من أقاربي والذي سهل لنا الصعود للعناية المركزة حيث كان في انتظارنا طبيب شاب تواصل معه قريبي فأعطاه بعض المعلومات عن الحالة.
بالطبع لم يكن خافيا على كل من كان برفقه صديقي – رحمه الله - علامات الضيق التي بدت على وجه الطبيب الشاب الذي يبدو أنه أيقظ من نومه دون داعي حقيقي وفق تصوره فالمريض يسير على قدميه ويتكلم وهو ما جعله في حالة تكاسل شديد فلم يقم من على كرسيه حيث طلب من المريض الجلوس على الكرسي المقابل ليسأله أسئلة مستفزة وروتينية لا محل لها من الإعراب فيما المريض يشعر بآلآم شديدة في الصدر طالبا من الطبيب تأجيل مثل هذه الأسئلة والكشف عليه واعطائه أي شئ يخفف عنه الألم.. وهنا اضطررت لمهاتفة قريبي الطبيب الكبير حاكيا له ما يحدث وأن كل هذه الأسئلة العبيطة لا وقت لها فطلب مني اعطائي الهاتف للطبيب الشاب لمكالمته فأخبره الطبيب الشاب أنه في الغالب حالة نفسية وليست مشكلة حقيقية في القلب غير أن المريض انفعل جدا على الطبيب الشاب وعلا صوته قائلا له:"أنت شايفني مجنون بقلك أنا تعبان" وقتها اضطر الطبيب الشاب إلى أخذ الحالة للعناية المركزة والقيام برسم قلب له والذي فور أن انتهى منه ونظر إليه وبدت على وجهه الصدمة كان صديقي قد دخل في غيبوبة جلطة شديدة فارق على إثرها الحياة فيما كان كل ما شغل الطبيب الشاب وقتها أن يخرج المرافقون للخارج "ليشوف شغله" رغم يقننا أن الحالة قد رحلت عن الدنيا.
أعتقد أن الحادثتين لا تحتاج لكثير تعليق وأنه ربما لدى كل من يطالع هذه الكلمات نماذج وقصص أخرى ربما يكون محتواها أسوأ أو أشد وضوحا لشرح المعنى المراد.. 
وفي الختام لسنا في حاجة إلى التأكيد على تقديرنا للدور الذي يقوم به أطباؤنا ووعينا بقيمة رسالتهم الإنسانية الجليلة ومدى ما يقدمونه من تضحيات على مستوى حياتهم الشخصية أو صحتهم من أجل تقديم خدماتهم للمرضى مدركين أنه من الخطأ إطلاق أحكام عامة على سلوك فئة من الفئات فالجميع ليسوا سواء لكننا في الوقت ذاته نؤكد أهمية أن يظل الأطباء – الجدد منهم خاصة – مستحضرين للبعد الإنساني في التعاطى مع المرضى أو ذويهم دون تعالي أو استخفاف فذلك يمكن أن يكون بلسما يخفف من آلام كليهما.. 
بالطبع أرفض العنف مع الأطباء أو إهانتهم كما أدافع عن حق نقابة الأطباء في حماية أعضائها وتوفير أفضل بيئة لهم لممارسة أعمالهم بشكل ملائم وإنساني لكن في الوقت ذاته لابد أن يكون الحادث جرس إنذار لكل الأطباء الذي يتناسون أن أول دواء للمرضى أو لذويهم هو ابتسامة وكلمة طيبة..