في عالم الإعلام ورجال الأعمال، غالبًا ما تتغير العلاقات بين الأشخاص بتغير المصالح والأوضاع. إلا أن العلاقة بين نجيب ساويرس والصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى تعد واحدة من أكثر التحولات دراماتيكية في المشهد الإعلامي والسياسي المصري وتشكل لغزا يحتاج إلى تفسير . فمن عداوة مستعرة وصلت إلى حدود لا تطاق، إلى صداقة مريبة ودفاع شرس من ساويرس عن عيسى طول الوقت
ضربة البداية
في نهاية تسعينيات القرن الماضي، شهدت الساحة الإعلامية توترًا كبيرًا بين نجيب ساويرس وإبراهيم عيسى. في تلك الفترة، كان إبراهيم عيسى يشغل منصب رئيس تحرير جريدة "الدستور" القديمة، التي كانت تتسم بجرأتها في نقد النظام والشخصيات العامة، بما في ذلك رجال الأعمال. ساويرس لم يكن بعيدًا عن سهام النقد اللاذع الذي كان يوجهه له إبراهيم عيسى باستمرار، حتى تحولت هذه العداوة إلى عداوة شخصية لا تُطاق، على الرغم من العلاقة كانت سمنا على عسل في البداية حيث كان ساويرس من أكبر الداعمين للدستور في ذلك الوقت بحملات إعلانية، كما أنه كان متبنيا لأجندة إبراهيم عيسى الفكرية.
ووفقا للكاتب الصحفي أيمن شرف مكتشف إبراهيم عيسى فإن خلافا ما قد نشب بين ساويرس وعيسى لا يعرف أحد تفاصيله حتى الآن هو الذي جعل الأخير ينشر بيان مفبرك للجماعة الإسلامية بهدف ابتزاز الأول.
ومن أبرز الأحداث التي زادت من حدة التأزم في العلاقة بين شريكي التوجه عيسى وساويرس، كان الهجوم اللاذع الذي شنه إبراهيم عيسى على الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم بسبب موافقته على أن يرعى نجيب ساويرس حفل عيد ميلاده. هذه الخطوة أثارت غضب عيسى الذي لم يتوانَ عن توجيه كلمات قاسية لنجم، منتقدًا قبوله رعاية ساويرس لعيد ميلاده .، خاصة أن أحمد فوأد نجم "الفاجومي" كان مشهورا بمهاجمة رجال الأعمال وعلى رأسهم نجيب ساويرس بسبب انحيازه الفطري للطبقات الكادحة والمعدمة. كما أن عيسى كان يدغدغ مشاعر قراءه بشكل دائم بكتاباته الدائمة عن الفقراء الذين يزدادون فقرا و الأثرياء الذين يزدادون فخشا في الثروات، وكان يعتبر ذلك تيمة ثابتة في مقالاته يكسب بها مساحة جديدة كل يوم عند قراءه ويتكسب منها من خلف الكواليس بابتزاز رجال الأعمال..
اعتبر إبراهيم عيسى أن ساويرس اشتري فؤاد نجم بفلوسه ووقعت قطيعة طويلة بينهما .. - لم يكن إبراهيم عيسى في ذلك الوقت قد سكن في القصور ولا تذوق طعم الملايين الحرام والتمويلات الضخمة المشبوهة القادمة من واشنطن وتل أبيب عبر عواصم عربية، وكان لا يزال مقيما في شارع فيصل -
إغلاق "الدستور": لحظة فاصلة
التوتر بين ساويرس وعيسى لم يقتصر على تبادل الانتقادات والاتهامات في وسائل الإعلام، بل تطور ليصبح مواجهة مباشرة. أحد أبرز محطات هذا الصراع كان إغلاق جريدة "الدستور" القديمة، والتي كان إبراهيم عيسى يتولى رئاسة تحريرها.
السبب المباشر لإغلاق الصحيفة كان نشرها لبيان مشكوك في صحته صادر عن الجماعة الإسلامية تعلن فيه استهدافها لرجال الأعمال الأقباط، وهو ما آثار غضب ساويرس، الذي أبدى استياءه الشديد من الخبر أمام الرئيس الراحل حسني مبارك في اجتماع مجلس الأعمال المصري الأمريكي،خاصة أن ساويرس كان يدرك أن هدف إبراهيم عيسى من البيان المضروب هو ابتزاره لصالح رجل الأعمال محمد نصير ، ساعتها توجه مبارك لصفوت الشريف وزير الإعلام الراحل وسأله "هو احنا مش كنا قفلنا الصحيفة دي يا صفوت"، وكان الشريف قد أوهم مبارك أنه تم إغلاق الصحيفة والغاء ترخيصها القبرصي في أزمة سابقة.
كان عيسى علي يقين بأن هناك دورا لساويرس في الدفع نحو إغلاق الصحيفة، وهكذا، انتهت "الدستور" القديمة بفعل الضغط المتزايد، وغاب صوت إبراهيم عيسى لفترة، ليتحول الصراع إلى معركة شخصية بينه وبين ساويرس.
العداء المطلق يتحول لتحالف مريب
المثير أنه بعدها بسنوات قليلة عادت المياه لمجاريها بين ساويرس وعيسى وقدم الصحفي المثير للجدل والريبة برنامج حمرا علي قناة أون تي في المملوكة ل ساويرس في ذلك الوقت ، ومع مرور السنوات، وتغير المناخ السياسي والاجتماعي في مصر،بعد ثورة يناير، تحول الصراع والضرب تحت الحزام بين ساويرس وعيسى إلى تحالف أشبه بالزواج الكاثوليكي الذي لا يوجد فيه انفصال وما هو ما يشبه المثل البلدي الشهير بأنها أصبحا مثل"...في لباس"
تحول ساويرس إلى المدافع الأول عن إبراهيم عيسى، الذي كان ينتقده بشدة في السابق.تكرر ذلك في مرات عديدة وتحول العدوان إلى صديقين، ونسي عيسى عباراته اللاذعة ضد أحمد فؤاد نجم "ساويرس اشتراك بكام" لانه أصبح في نفس الموقف .
وقبل يومين أبدى ساويرس دعمه القوي لإبراهيم عيسى في مواجهة الانتقادات التي وُجهت له بسبب فيلم "الملحد". الفيلم الذي أثار جدلاً واسعًا في مصر لما تضمنه من أفكار مثيرة للجدل ، كان عيسى بحاجة إلى داعم قوي في مواجهة الهجوم، وهو ما قام به ساويرس بكل حماس. بل وزاد على ذلك بوصفه عيسى بأنه "مثقف كبير"، مدافعًا عنه في كل مناسبة يتعرض فيها للانتقاد.
الأسباب والدوافع: مصالح مشتركة أم تحول في القناعات؟
قد يتساءل البعض عن الأسباب التي دفعت ساويرس لتغيير موقفه من عيسى، من خصم إلى حليف.،الحقيقة تتمثل في أمرين، الأول هو التحولات العنيفة التي حدثت ل إبراهيم عيسى، حيث أصبح من حواري السلطة ومن المقربين لها ومن مغازلي رجال الأعمال ومن المقرب منهم بل أصبح واحدا منهم بعد عدة صفقات مشبوهة جعلته يمتلك عشرات إن لم يكن مئات الملايين ، و أصبح يمتلك من القصور والحسابات البنكية التي لا يمكن حصرها بسهولة، ويفتح خزينته ويوظف برامجه لكل جهات التمويل المشبوهة وغير المشبوهة الأجنبية والمصرية، وهو ما وجد فيه ساويرس غايته ومهجته، فعيسي لم يعد ذلك الشاب اليافع المدافع عن أفكاره ومبادئه ولم يكن ذلك المعدم الذي لا يغريه ذهب المعز ولا يخيفه سيفه، وهذا التحول هو الذي جعل ساويرس يحول دفة علاقته به، لكي يستخدمه في الدفاع عن مصالحه وأيدلوجياته، كما أن جمهور إبراهيم عيسى وحواريه فيهم عدد كبير من المسيحيين الذين يرون في هجوم عيسى الدائم على تيار الإسلام السياسي متنفسا لهم ومعبرا عنهم