اليومَ..يغادر القائم بعمل رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت منصبه عائدًا إلى قسم الفلسفة بكلية الآداب أستاذًا متفرغًا، وسوف يحكم التاريخ بما له وما عليه!! من المؤكد أن هذه النهاية لم تكن هي التي خطط "الخشت" لها، وطمح إليها، وطمع فيها. منذ اليوم الأول لاختياره لهذا المنصب الرفيع قبل سبع سنوات..بدا أستاذ فلسفة الأديان متعجلاً ومتطلعًا إلى ما هو أبعد. كان يحلم باستوزاره للثقافة أو التعليم أو التعليم العالي؛ لا سيما أن منصب الوزير في العشرية الأخيرة أصبح في المتناول؛ وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الحالي نموذجًا.
بدا "الخشت" منذ تعيينه وكأنه أبرم اتفاقًا أو ميثاقًا غير مكتوب مع وزير الأوقاف المعزول، فكان يُحاكيه قولاً وفعلاً، فضلاً عن استضافته في الجامعة وتكريمه على "اللا شيء". كان الأول يحلم –كما أسلفنا- باستوزاره، فيما كان الثاني يطمع في مشيخة الأزهر الشريف!! لم تكن أحلامهما مشروعة بطبيعة الحال؛ لأسباب يعلمها القاصي والداني، وأظهرتها السنوات العجاف السابقات.
منذ أمسك بالميكرفون، وتقمص شخصية “نبطشى الأفراح” داخل جامعة القاهرة قبل أربعة أعوام ونصف العام، مُعلنًا تخفيض مصروفات بعض الطلاب في مشهد هزلي غريب، كشف صاحب المؤلفات الفلسفية المتعددة والغزيرة والمنهمرة عن شخصية لا تقدر التقاليد والأعراف الجامعية، ولا تحفظ للمنصب الرفيع وقاره، فضلاً عن أنه أظهر جينات “عبده مشتاق” التي تسكنه، والتى قد تدفعه إلى أن يفعل أى شئ من أجل بلوغ المراد. كان المشهد سخيفًا سمجًا بما يكفي، ويؤشر لمرحلة بائسة جدًا؛ فلم يكن هذا أبدًا سمت رؤساء الجامعة العريقة ولا أساتذتها، لا سيما أساتذة الفلسفة، وما يجب أن يُظهروه من وقار وحكمة في تصرفاتهم وكلامهم وسكناتهم وحركاتهم.
ظن “الخُشت”، كما ظن من قبله الوزير المعزول، أنهما بهذه الحيل والألاعيب ، قد تورد الإبل، وتُدرك المناصب، وتُمنح العطايا، ويُنال الرضا السامي الأبدي، ولكنه أوقع نفسه فى فخٍ بدد كثيرًا من الهالة التى يحيط بها نفسه، وهي هالة افتراضية وهمية خادعة، لا تختلف كثيرًا عن الهالة التى كان يعيش داخلها صديقه الوزير المخلوع الذى تحول في غفلة من الزمن إلى أيقونة أسطورية يقتدي بها كل طامح وطايح وطامع، قبل أن يتم الإطاحة به في الأسبوع الأول من الشهر الجاري في مفاجأة لم يتوقعها ألد خصومه!
حتى الذين يختلفون مع الأزهر الشريف وإمامه الأكبر، سواء عن جهل أو علم أو محاكاة، لم يتعاطفوا مع “الخُشت” خلال سجاله مع الدكتور أحمد الطيب خلال المؤتمر العالمى لتجديد الفكر الدينى في العام 2020، بل إن بعضهم هاجمه وسخر منه وقلل من مكانته العلمية وغمز ولمز وخاض فيها خوضًا عظيمًا، وأدرك أنه ليس الرجل المناسب في المكان المناسب!
المواجهة غير المُعدة سلفًا بين الإمام "الطيب" والدكتور "الخشت"، جاءت قدرية بامتياز، لتَميز الخبيث من الطيب، ولتكشف القدرات الحقيقية للأكاديمي "البارز" صاحب المؤلفات "الأسطورية" في فلسفة الأديان. أراد “الخُشت” بسجاله غير المتكافئ مع شيخ الأزهر الشريف يومئذ أن يسترضي أسياده وينال رضاهم، ويحظى بعطاياهم، فحاول أن يستعرض عضلاته غير المفتولة، ولكنه لم يصمد لحظة واحدة أمام قوة حجة شيخ الأزهر الشريف، وحُسن بيانه، وصدق نيته، ونبل هدفه، وفراسته المتوهجة التي لم تُخلق عن حفظ وتكرار. خرج "الخشت" من هذه المغامرة غير المحسوبة خاسرًا، كان أداؤه مُخيبًا للغاية، فيما تضاعفت شعبية "الطيب" الذي كان يتعرض حينئذ لحملات هجوم ممنهجة، كان "الخشت" وصديقه الوزير السابق "رأسي حربة" فيها.
ومن نافلة القول هنا أن نذكر بالخير مقالات الأستاذ بكلية الإعلام الدكتور أيمن منصور ندا التي عرَّت "الخشت" علميًا وجرحت منزلته الأكاديمية؛ فكانت سببًا في عدم استوزاره؛ وإن كان قد تم الإبقاء عليه قائمًا بأعمال رئيس الجامعة ثلاث سنوات متتاليات؛ ربما من "باب المعاندة والمكايدة" مع الرأي العام..ومع "منصور" نفسه الذي دفع الثمن غاليًا وباهظًا جدًا..ولا يزال!
أظن، وبعض الظن ليس إثمًا، أن "الخشت" استطاع عن جدارة واستحقاق أن يُسطر اسمه بحروف من حبر سري، مع صديقه الوزير المخلوع، في كتاب النسيان؛ فهذا يليق بهما. وكما إن الثاني لا يمكن إدراجه ضمن قوائم وزراء الأوقاف المتميزين مثل: الباقوري والبهي والشعراوي والذهبي والنمر وأبو النور وزقزوق، فإن الثاني أيضًا لن يقترب من مكانة لطفي السيد وبدران وأبو طالب وشهاب؛ لأن للمناصب الرفيعة والوقورة رجالها الأقوياء الأشداء..أما أنت أيها "الخشت"، فـ"طير إنت"، كما طار صديقك الوزير المشلوح!