مصطفى رضا يكتب : الحج لمن استطاع إليه سبيلًا!
خلال الأسبوع الماضي، شاهدت وسمعت عن حالات فقدان ووفاة بين الحجاج الذين ذهبوا لأداء فريضة الحج عبر ما يُعرف بـ"حج الزيارة". ورغم أن الهدف نبيل، وهو أداء أحد أركان الإسلام وزيارة مكة المكرمة، إلا أن هذا الأمر أثار في نفسي تساؤلات وأحزان. هل من الطبيعي أن تذهب سيدة تجاوزت السبعين عامًا لأداء هذه الفريضة الشاقة التي تتطلب جهدًا بدنيًا وروحيًا لا يتحمله إلا الأصحاء من الشباب؟
الحج هو ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفريضة عظيمة تتطلب جهدًا بدنيًا وروحيًا كبيرًا. ولقد وضع الله سبحانه وتعالى شرط "الاستطاعة" لأداء هذه الفريضة، حيث قال تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (آل عمران: 97). وهذا الشرط يعني أن يكون الشخص قادرًا من الناحيتين الصحية والمادية على أداء الحج دون تعرضه لمشقة بالغة.
للأسف، نشهد اليوم توجه البعض لأداء الحج دون مراعاة لمتطلبات الصحة والقدرة الجسدية، مما يؤدي إلى حالات مأساوية كما رأينا مؤخرًا. نجد آلاف الحالات المؤلمة والجثث التي تفترش الطرقات كأوراق الشجر المتناثرة. علينا أن نتوقف ونفكر بعمق، مستذكرين قول الله تعالى: "وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة: 195). الحج ليس مجرد رحلة روحانية، بل هو تحدٍ بدني كبير يتطلب مجهودًا وصحة جيدة.
التعب والمشقة جزء لا يتجزأ من هذه الفريضة، لكن يجب أن يكون ذلك في حدود المعقول والمستطاع. في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قصوى، لا يتعلق الأمر فقط بالقدرة البدنية، بل أيضًا بوجود الدعم الكافي. نشاهد العديد من الحجاج المسنين يذهبون دون مرافقين مناسبين أو ترتيبات كافية للتعامل مع احتياجاتهم الصحية، مما يؤدي إلى حالات طارئة ومشكلات صحية خطيرة.
ومن هنا، يبرز تساؤل مهم: هل الأعمال الخيرية، وكفالة الأيتام، والصدقة في هذا الوقت ليست أفضل عند الله من تكرار الحج وإنفاق مبالغ طائلة؟ أعتقد، والله أعلم، أن هذه العبادات قد تكون أفضل عند الله من تكرار الزيارة إذا كان الهدف هو التعبير عن الإيمان والالتزام بالفرائض.
يجب علينا كمسلمين أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع فريضة الحج، وأن نتأكد من أن من يسعون لأدائها يتمتعون بالقدرة الصحية والبدنية الكافية. علينا أيضًا أن نعي أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن الهدف من الفريضة هو التقرب إلى الله بطريقة مستدامة وصحية.
وأخيرًا، اللهم تقبل من كل عبادك الذين تحملوا المشقة لأجلك، وارحم كل من توفاه الأجل في سبيل زيارة بيتك، وامنح أهاليهم الصبر والسلوان.