رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

مختار محمود يكتب :هل أصبح المصريون بين نارين؟!

المصير

الثلاثاء, 18 يونيو, 2024

02:28 م


يتندر الفيسبوكيون على أحد الكتبة الذي يساوم المصريين على ما لا تصح فيه المساومة. عنوَنَ الكاتب منشورًا هابطًا له بـ"وطن تشتعل فيه نار الأسعار.. أفضل من وطن تشتعل فيه نار الخراب والدمار". بئس القياس وبئست المساومة. منطق رخيص يتجدد على مدار عقد كامل. كانت مصر في أصعب ظروفها عظيمة، لا يعرف شعبها مثل هذه المساومات الرخيصة ولا القياسات الساقطة ولا المقارنات المتهافتة. يساوم الكاتب "شعب مصر العظيم الذي لم يجد مَن يحنو عليه" حتى الآن على واحد من خيارين اثنين، كلاهما مُرٌّ: إمَّا وطن تتوحش فيه الأسعار ويستأسد فيه الغلاء، وإمَّا وطن يسوده الخراب والدمار، وكأن هذه هي المعادلة الوحيدة على كوكب الأرض. أوطان كثيرة من حولنا، بعضها حديث النشأة والعهد، تجمع بين الحُسنيين: لا يعاني أبناؤها من ذل المعيشة، ويسودها في الوقت نفسه الأمن والأمان. موضة تبكيت هذا الشعب الصبور بطبعه يوميًا سخيفة جدًا، وآن لها أن تتوقف. المصريون لا يستحقون ذلك التردي والتدني والسخف والتراجع على جميع المستويات والأصعدة. الفشل الذريع يجب أن يتحمل أوزاره مَن صنعوه فقط، وليس شعبًا لم يحلم يومًا بأكثر من: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". لم يخجل الكاتب المأفون من أن يهبط بـ"فخ المقارنة" هذه المرة إلى الدرك الأسفل، متجاوزًا سوريا والعراق وليبيا حتى وصل إلى الصومال. مصر بتاريخها وجغرافيتها وكنوزها تُقارَن بالصومال، مع عظيم الاحترام لشعبها!! هل هذا منطق سديد ينطلي على شعب عظيم؟ هل تتوقعون عندما يطالع المصريون مثل هذه الكتابات الرديئة -التي تحاصرهم ليل نهار- أن يسجدوا سجدة شكر، أو يتظاهروا فرحين؛ لأنهم لم يصلوا بعد إلى الحالة الصومالية أو الليبية أو السورية أو السودانية؟ وإذا كنتم –يا سادة- مُغرمين بعقد مثل هذه المقارنات، فلماذا لم تقارنوا مثلاً بين مصر ورواندا على مستوى التعليم فقط؟ البون شاسع جدًا –بكل أسف- بين مصر ورواندا تعليميًا..تخيل يا مصري! ولماذا تجاهلتم مثلاً سداد العراق لجميع قروض لصندوق النقد الدولي؟ لماذا تتعامَون عن عقد هذه المقارنات وما أكثرها، وبكل أسف..جميعها ليس في صالحنا ولا مصلحتنا! لماذا تركزون على نقاط الضعف في دول هشة ودويلات فاشلة؟ هذا تدليس وتلفيق وكذب صُراح. مصر لا يجب أن تكون دولة فاشلة ولا ضعيفة ولا هشَّة!
هذا الكاتب –الذي لا يجرؤ مثلاً على كشف مصادر ثروته ونحن نعرفها ولا يعاني مثلنا من أنياب الغلاء- يريد من المصريين أن يتحملوا صامتين فشل حكومات متعاقبة، وأوزار سياسات سفيهة، وعواقب إستراتيجيات عاجزة، وأن يضعوا صخورًا في أفواههم. أصبح معظم المصريين يكلمون أنفسهم كالمجاذيب؛ فالغلاء مُستحكم، والققر يطرق الأبواب بقوة، ،، وأرباب الأسر والعائلات يضربون كفًا بكف، . تلاشت الطبقة المتوسطة تمامًا، ومن كانوا مستورين بالأمس يخشون الفقر اليوم قبل الغد. يتخلى معظم المصريين كرهًا عن أساسيات في حياتهم تحت سطوة الغلاء الفاحش. لا يطمئنون أبدًا للغد؛ في ظل حكومة تتباهى بعجزها على رؤوس الأشهاد، وتبرره وتقننه، وتبعث لنا بأسوأ رسلها؛ كي يقنعنا بذلك. حالة بائع غزل البنات الصعيدي -الذي ألقى بضاعته يأسًا في الشارع- تتقاطع مع حالات قطاع كبير جدًا من المصريين. ربنا ارفع عنا الغلاء؛ إنا مؤمنون. الغلاء المستبد قرين الفقر الغادر. لو كان الفقر كائنًا حيًّا لقتله المصريون ضربًا بالنعال.ارفعوا أياديكم عن المصريين، وأبعدوا سفهاءكم عنهم، وجددوا خطاباتكم العقيمة، وتوقفوا عن احتقاركم للشعب، وكفوا عن خداعه والتدليس عليه؛ فتلك بضاعة بائرة، وتجارة كاسدة، لن تحصدوا من ورائها إلا مزيدًا من الغضب والاحتقان. أعيدوا إلى مصر بهاءها المفقود، ووضعها الضائع؛ فالمحروسة يجب أن تكون أكبر من كل هذا العبث السياسي والمجون الاقتصادي..والهزل الإعلامي.